والاعتبار في دلالة الألفاظ هو الظهور العرفي ، وهو كون الكلام بحيث يحمل عرفا على ذلك المعنى ولو بواسطة القرائن المقاميّة المكتنفة بالكلام ، فلا فرق بين إفادته الظنّ بالمراد وعدمها ولا بين وجود الظنّ الغير المعتبر على خلافه وعدمه ؛ لأنّ ما ذكرنا من الحجّة على العمل بها جار في جميع الصور المذكورة.
وما ربّما يظهر من العلماء : من التوقّف في العمل بالخبر الصحيح المخالف لفتوى المشهور أو طرحه ، مع اعترافهم بعدم حجّية الشهرة ، فليس من جهة مزاحمة الشهرة لدلالة الخبر الصحيح من عموم أو إطلاق ، بل من جهة مزاحمتها للخبر من حيث الصدور ؛ بناء على أنّ ما دلّ من الدليل على حجّية الخبر (*) من حيث السند لا يشمل
______________________________________________________
التعبّد ، ولا أقلّ من كون ذلك هو المتيقّن لو فرض الشكّ في المقام ، بمعنى أنّ ترتيب آثار التعبّد هو المتيقّن في مقام الشكّ وإن كان أطراف الشبهة من قبيل المتباينين.
ثمّ إنّك قد عرفت أنّ ثمرة اعتبار الظواهر من باب الظنّ النوعي أو التعبّد إنّما تظهر في رفع اليد عن أصالة الحقيقة أو أصالة عدم التقيّة عند دوران الأمر بين رفع اليد عن إحداهما ، وذلك لأنّ هذين الأصلين إمّا أن يعتبرا من باب الظنّ النوعي ، أو التعبّد العقلائي ، أو تعتبر الظواهر من باب الظنّ النوعي ، وأصالة عدم التقيّة من باب التعبّد العقلائي ، أو بالعكس. فعلى الأوّل يمكن ترجيح أصالة عدم التقيّة على أصالة الحقيقة ، بأن يحمل الكلام على خلاف الظاهر لبيان الواقع لا لغرض آخر ، من جهة تأيّد غلبة إيراد الكلام لبيان الواقع بغلبة المعاني المجازيّة بالنسبة إلى الحقيقيّة كما ادّعاه الحاجبي ، لاستلزام نفي التقيّة لإرادة معنى مجازي لا محالة ، فيحصل من أصالة عدم التقيّة ظنّ أقوى من الظنّ الحاصل من أصالة الحقيقة المبتنية على غلبة إرادة المعاني الحقيقيّة. وعلى الثاني لا ترجيح في البين. وعلى الثالث يمكن ترجيح أصالة الحقيقة على أصالة عدم التقيّة ، لفرض كونها دليلا بالنسبة إليها على هذا الفرض. وبالعكس على الرابع. هذا كلّه على تقدير تمييز جهة اعتبار الأصلين ، و
__________________
(*) في بعض النسخ زيادة : الواحد.