المجمع عليه على المشهور وبالعكس حتّى تصرف أحدهما عن ظاهره بقرينة الآخر ؛ فإنّ إطلاق المشهور في مقابل الإجماع إنّما هو إطلاق حادث مختصّ بالاصوليّين ، وإلّا فالمشهور هو الواضح المعروف ، ومنه : شهر فلان سيفه ، وسيف شاهر. فالمراد أنّه يؤخذ بالرواية التي يعرفها جميع أصحابك ولا ينكرها أحد منهم ويترك ما لا يعرفه إلّا الشاذّ ولا يعرفه الباقي ، فالشاذّ مشارك للمشهور في معرفة الرواية المشهورة ، والمشهور لا يشاركون (*) الشاذّ في معرفة الرواية الشاذّة ؛ ولهذا كانت الرواية المشهورة (٣٨٥) من قبيل بيّن الرشد ، والشّاذ من قبيل المشكل الذي يردّ علمه إلى أهله ؛ وإلّا فلا معنى للاستشهاد بحديث التثليث. وممّا يضحك الثّكلى في هذا المقام توجيه قوله : «هما معا مشهوران» بإمكان انعقاد الشهرة في عصر على فتوى وفي عصر آخر على خلافها ، كما قد يتّفق بين القدماء والمتأخّرين ، فتدبّر.
______________________________________________________
منهما ، لأنّه أقلّ ريبا من الآخر ، فقلّة الريب في المشهور علّة تامّة لترجيح أحد الخبرين المتعارضين بالشهرة بعد الفراغ عن اعتبارهما في أنفسهما ، فهي لا تصلح دليلا على حجّية الشهرة بحسب الفتوى في نفسها. نعم ، تصلح دليلا على جواز الترجيح بكلّ مرجّح ظنّي وإن خرج من المرجّحات المنصوصة ، كما هو مختار الاصوليّين خلافا للأخباريّين ، كما سيأتي في محلّه إن شاء الله تعالى.
٣٨٥. ظاهره حمل قوله عليهالسلام : «فإنّ المجمع عليه لا ريب فيه» على نفي الريب حقيقة ، ولذا صرّح بكون الرواية المشهورة من قبيل بيّن الرشد. وحينئذ إن أراد نفي الرّيب حقيقة من جميع الجهات فهو بيّن الفساد ، وإلّا لم يبق وجه لتحيّر السائل ، وسؤاله عن شهرة الروايتين وجواب الإمام عليهالسلام بالأخذ بموافق الكتاب ثمّ بمخالف العامّة. وإن أراد نفي الرّيب حقيقة من حيث الصدور ، يرد عليه أنّه لا وجه حينئذ لتقديم الترجيح بالأعدليّة والأفقهيّة والأصدقيّة وغيرها من مرجّحات الصدور على الترجيح بالشهرة ، الذي مقتضاه جواز الترجيح بالامور
__________________
(*) في بعض النسخ : بدل «لا يشاركون» ، لا يشارك.