لنا على ذلك : حكم العقل وما ورد من النقل. أمّا العقل : فلاستقلاله بقبح مؤاخذة من كلّف بمركّب لم يعلم من أجزائه إلّا عدّة أجزاء ، ويشكّ في أنّه هو هذا أو له جزء آخر وهو الشيء الفلاني ، ثمّ بذل جهده في طلب الدليل على جزئيّة ذلك الأمر فلم يقتدر ، فأتى بما علم وترك المشكوك خصوصا مع اعتراف المولى بأنّي ما نصبت لك عليه دلالة ، فإنّ القائل (١٦٧١) بوجوب الاحتياط لا ينبغي أن يفرّق في وجوبه بين أن يكون الآمر لم ينصب دليلا أو نصب واختفى ، غاية الأمر أنّ ترك النصب من الآمر قبيح ، وهذا لا يرفع التكليف بالاحتياط عن المكلّف.
فإن قلت : إنّ بناء العقلاء على وجوب الاحتياط في الأوامر العرفيّة الصادرة من الأطبّاء أو الموالي ؛ فإنّ الطبيب إذا أمر المريض بتركيب معجون فشكّ في جزئيّة شىء له مع العلم بأنّه غير ضارّ له ، فتركه المريض مع قدرته عليه ، استحقّ اللوم. وكذا المولى إذا أمر عبده بذلك.
______________________________________________________
وبالثاني في غيره إلى ثالث ، قال : «ومثال ذلك : إذا ولغ الكلب في الإناء فقد نجس ، واختلفوا هل يطهر بغسلة واحدة أم لا بدّ من سبع؟ وفيها عدا الولوغ هل يطهر بغسلة أم لا بدّ من الثلاث؟» فلم تظهر مخالفته لما ذكره المصنّف رحمهالله ، إذ لعلّه أراد بمن قال بالاحتياط الأخباريّين منهم. وأمّا القول بالتفصيل فلعلّه لا يشمل محلّ الكلام ممّا كان الشكّ فيه في الجزئيّة بقرينة ما مثل به له ، لكون الشكّ فيه في الشرطيّة ، إذ المأمور به فيه التطهير ، وحصوله بالسبع أو الثلاث من شرائطه ، ولا ملازمة بين القول بالبراءة في الأجزاء والقول بها في الشرائط ، لاختلاف الأدلّة في ذلك ، كما هو واضح للمتدبّر فيها. نعم ، صريح المصنّف رحمهالله نفي وجدان الخلاف ممّن تقدّم على السبزواري في كلا المقامين. نعم ، ويمكن أن يقال بخروج المثال من محلّ النزاع ، من جهة أنّ الكلام في جميع موارد أصل البراءة إنّما هو فيما لم يكن هناك أصل موضوعيّ حاكم عليه ، واستصحاب النجاسة في المثال حاكم على أصالة عدم الشرطيّة.
١٦٧١. دفع لما يمكن أن يتوهّم من التزام قبح المؤاخذة على تقدير عدم