قلت أوّلا : مسألة البراءة والاحتياط غير مبنيّة على كون كلّ واجب فيه مصلحة وهو لطف في غيره (١٦٧٤) ، فنحن نتكلّم فيها على مذهب الأشاعرة المنكرين للحسن (١٦٧٥) والقبح (*) ، أو (**) مذهب بعض العدليّة (١٦٧٦) المكتفين بوجود المصلحة في الأمر وإن لم يكن في المأمور به (٣).
______________________________________________________
المأمور به في الحقيقة ، والأفعال المحصّلة لها مقدّمة لها أو هي أغراض مقصودة منها.
وفيه نظر ، يظهر وجهه بالتأمّل فيما حكي عن المحقّق الثاني في جامعه عند بيان نيّة وجه الوجوب والندب في الوضوء ، قال : «المراد بوجه الوجوب والندب السبب الباعث على إيجاب الواجب وندب المندوب ، فهو على ما قرّره جمهور العدليّين من الإماميّة والمعتزلة أنّ السمعيّات ألطاف في العقليّات ، ومعناه : أنّ الواجب السمعي مقرّب من الواجب العقلي ، أي : امتثاله باعث على امتثاله ، فإنّ من امتثل الواجبات السمعيّة كان أقرب إلى امتثال الواجبات العقليّة من غيره. ولا معنى للطف إلّا ما يكون المكلّف معه أقرب إلى الطاعة. وكذا الندب السمعي مقرّب من الندب العقلي ، أو مؤكّد لامتثال الواجب العقلي ، فهو زيادة في اللطف ، والزيادة في الواجب لا يمتنع أن يكون ندبا. ولا نعني أنّ اللطف في العقليّات منحصر في السمعيّات ، فإنّ النبوّة والإمامة ووجود العلماء والوعد والوعيد بل جميع الآلام تصلح للإلطاف فيها ، وإنّما هي نوع من الإلطاف» انتهى.
وعلى كلّ تقدير فمبنى التقرير الأوّل على كون الغرض من الأوامر تحصيل المصالح الكامنة ، ومبنى الثاني على كون الغرض منها كون العبد قريبا من امتثال الواجبات العقليّة.
١٦٧٤. الضمير عائد إلى الواجب.
١٦٧٥. وكذا لكون الواجبات السمعيّة ألطافا في الواجبات العقليّة.
١٦٧٦. إشارة إلى الخلاف بين القائلين بالحسن والقبح ، بأنّ أوامر الشرع
__________________
(*) في بعض النسخ زيادة : رأسا.
(**) في بعض النسخ زيادة : على.