الرابع : بعض الأخبار الدالّة على أنّ مجرّد العلم بوجود الحرام بين المشتبهات لا يوجب الاجتناب عن جميع ما يحتمل كونه حراما ، مثل ما في محاسن البرقي عن أبي الجارود ، قال : «سألت أبا جعفر عليهالسلام عن الجبن ، فقلت : أخبرني من رأى أنّه يجعل فيه الميتة ، فقال : أمن أجل مكان واحد يجعل فيه الميتة حرّم جميع ما في الأرض؟! فما علمت فيه ميتة فلا تأكله ، وما لم تعلم فاشتر وبع وكل ، والله إنّي لأعترض السوق فأشتري اللحم والسّمن والجبن ، والله ما أظنّ كلّهم يسمّون ، هذه البربر وهذه السودان ...» (٥).
فإنّ قوله : «أمن أجل مكان واحد ...» ظاهر في أنّ مجرّد العلم بوجود الحرام لا يوجب الاجتناب عن محتملاته ، وكذا قوله عليهالسلام : «والله ما أظنّ كلّهم يسمّون» ، فإنّ الظاهر منه (١٥٧٠) إرادة العلم بعدم تسمية جماعة حين الذبح ، كالبربر والسودان ،
______________________________________________________
وأنت خبير بأنّ هذه الدعوى لا تخلو من مصادمة للعيان ومخالفة لصريح الوجدان ، لكثرة وجود الشبهات المجرّدة عن العلم الإجمالي في الخارج ، بحيث لا يبقى مجال لدعوى الاستهجان المذكور بعد ملاحظة كثرتها. وإن شئت فلاحظ بدنك وثوبك ودارك وسائر ما يتعلّق بك وغيرها ، لأنّك كثيرا ما تشكّ في نجاستها وحليّتها من دون أن يحصل لك علم إجمالي بنجاسة بعضها أو كونه مغصوبا. ومجرّد علم إجمالي بوجود نجس أو مغصوب في العالم وضمّ ذلك إليه غير مجد في دخول ذلك في أطرافه كما هو واضح. ومع التسليم فلا ريب في خروج بعض أطراف الشبهة غير المحصورة المفروضة من محلّ الابتلاء ، كما اعترف به المصنّف رحمهالله في ما مضى ويأتي ، واعترف أيضا بعدم وجوب الاحتياط في مثلها. ومع التسليم فلا ريب في اندراج الشبهات البدويّة الحكميّة تحت الاولى ، وهي بمجرّدها كافية في منع الاستهجان المذكور. اللهمّ إلّا أن يريد بأخبار الحلّ ما هو ظاهر الاختصاص بالشبهات الموضوعيّة ، وهو كما ترى.
١٥٧٠. بقرينة السياق.