إلّا أن يدّعى (١٥٧١) أنّ المراد أنّ جعل الميتة في الجبن في مكان واحد لا يوجب الاجتناب عن جبن غيره من الأماكن ، ولا كلام في ذلك ، لا أنّه لا يوجب الاجتناب عن كلّ جبن يحتمل أن يكون من ذلك المكان ، فلا دخل له بالمدّعى.
وأمّا قوله : «ما أظنّ كلّهم يسمّون» ، فالمراد منه عدم وجوب الظنّ أو القطع بالحلّية ، بل يكفي أخذها من سوق المسلمين ؛ بناء على أنّ السوق أمارة شرعيّة لحلّ الجبن المأخوذ (١٥٧٢) منه ولو من يد مجهول الإسلام ، إلّا أن يقال إنّ سوق المسلمين غير معتبر مع العلم الإجمالي بوجود الحرام ، فلا مسوّغ للارتكاب إلّا كون الشبهة غير محصورة ، فتأمّل (١٥٧٣).
الخامس : أصالة البراءة (١٥٧٤) بناء على أنّ المانع من إجرائها ليس إلّا العلم
______________________________________________________
١٥٧١. لعلّ هذا المعنى أظهر ، كما يشهد به لفظ الجميع المضاف إلى ما في الأرض ، وقوله : «فما علمت فيه ميتة» الظاهر في اعتبار العلم تفصيلا أو إجمالا في وجوب الاجتناب ، حيث لم يقل : فما علمت أنّه ميتة ، كما هو واضح.
١٥٧٢. أي : وإن حصل العلم الإجمالي بوجود الحرام في السوق.
١٥٧٣. لعلّ الأمر بالتأمّل إشارة إلى منع عدم اعتبار السوق مع العلم الإجمالي بخلافه ، لأنّ غلبة وجود العلم الإجمالي بوجود الحرام والنجس في سوق المسلمين شاهد لشمول الإجماع والأخبار لصورة العلم الإجمالي بالخلاف.
١٥٧٤. حاصل هذا الوجه : أنّ المانع من جريان أصالة البراءة في أطراف الشبهة المحصورة أو غير المحصورة هو العلم الإجمالي بوجود الحرام فيها ، بحكم العقل بوجوب الاجتناب عن الجميع من باب المقدّمة العلميّة. ولا ريب أنّ اعتبار العلم مطلقا إنّما هو لأجل حكم العقل وبناء العقلاء عليه ، فإذا فرض عدم اعتناء العقلاء به عند اتّساع دائرة الشبهة بحيث تعدّ غير محصورة كان وجوده كالعدم ، ويرتفع المانع من جريانها. ولعلّ هذا هو المراد من المحكيّ عن الدرر النجفيّة بعد بيان الفرق بين المحصور وغيره وبيان حكم المحصور ، قال : «أمّا غير المحصور فإنّه لا يعلم وجود الحرام ثمّة ، ولا يقطع بحصوله ، فلا يتعلّق التكليف الشرعيّ باجتنابه ، و