الإجمالي بوجود الحرام ، لكنّه إنّما يوجب الاجتناب عن محتملاته من باب المقدّمة العلميّة ، التي لا تجب إلّا لأجل وجوب دفع الضرر وهو العقاب المحتمل في فعل كلّ واحد من المحتملات ، وهذا لا يجري في المحتملات الغير المحصورة ؛ ضرورة أنّ كثرة الاحتمال توجب عدم الاعتناء بالضرر المعلوم وجوده بين المحتملات ، ألا ترى الفرق الواضح بين العلم بوجود السمّ في أحد إناءين أو واحد من ألفي إناء؟ وكذلك بين قذف أحد الشخصين لا بعينه وبين قذف واحد من أهل بلد ، فإنّ الشخصين كليهما يتأثّران بالأوّل ولا يتأثّر أحد من أهل البلد بالثاني. وكذا الحال : لو أخبر شخص بموت الشخص المردّد بين ولده وشخص آخر وبموت المردّد بين ولده وبين كلّ واحد من أهل بلده ؛ فإنّه لا يضطرب خاطره في الثاني أصلا. وإن شئت قلت : إنّ ارتكاب المحتمل في الشبهة الغير المحصورة لا يكون عند العقلاء إلّا كارتكاب الشبهة الغير المقرونة بالعلم الإجمالي.
وكأنّ ما ذكره الإمام عليهالسلام في الرواية المتقدّمة من قوله : «أمن أجل مكان واحد ...» ـ بناء على الاستدلال به ـ إشارة إلى هذا المعنى ؛ حيث إنّه جعل كون حرمة الجبن في مكان واحد منشأ لحرمة جميع محتملاته الغير المحصورة من المنكرات المعلومة عند العقلاء التي لا ينبغي للمخاطب أن يقبلها ، كما يشهد بذلك كلمة الاستفهام الإنكاري ، لكن عرفت أنّ فيه احتمالا آخر يتمّ معه الاستفهام الانكاري أيضا.
وحاصل هذا الوجه أنّ العقل إذا لم يستقلّ بوجوب دفع العقاب المحتمل عند كثرة المحتملات ، فليس هنا ما يوجب على المكلّف الاجتناب عن كلّ محتمل ، فيكون عقابه حينئذ عقابا من دون برهان ؛ فعلم من ذلك أنّ الآمر اكتفى في المحرّم المعلوم
______________________________________________________
وجوده في الواقع ونفس الأمر لا يصير مناطا للأحكام الشرعيّة ، وإنّما جعلت منوطة بنظر المكلّف وعلمه ، كما لا يخفى على من أحاط خبرا بالقواعد الشرعيّة والضوابط المرعيّة» انتهى ، وإلّا فتوجّه المنع إليه واضح ، لأنّ ظاهر العلماء اعتبار العلم الإجمالي في غير المحصور أيضا ، كما ستقف عليه عند بيان الفرق بينه وبين