هذا المعنى مغايرا للأوّل مبنيّ على كون المراد من العمل مجموع المركّب الذي وقع الإبطال في أثنائه.
وكيف كان فالمعنى الأوّل أظهر (١٧٩٤) ؛ لكونه المعنى الحقيقي ، ولموافقته لمعنى الإبطال في الآية الاخرى المتقدّمة ومناسبته لما قبله من قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ) (٩) ؛ فإنّ تعقيب إطاعة الله وإطاعة الرسول بالنهي عن الإبطال يناسب الإحباط (١٧٩٥) ، لا إتيان العمل على الوجه الباطل ؛ لأنّها مخالفة لله وللرسول. هذا كلّه ، مع ظهور الآية في حرمة إبطال الجميع ، فيناسب الإحباط بمثل الكفر ، لا إبطال شىء (١٧٩٦) من الأعمال الذي هو المطلوب.
______________________________________________________
الواقعة على وجه الصحّة لعروض البطلان لها.
قلت : إنّ المراد بالصحّة في المقامين مختلف ، لأنّ المراد بها فيما تقدّم كون الأجزاء السابقة على وجه لو انضمّ إليها باقي الأجزاء مع شروطها الشرعيّة حصل الكلّ ، وترتّب عليه حصول الامتثال ، والمراد بها هنا كون الأجزاء السابقة على وجه كانت قابلة بالفعل لانضمام سائر الأجزاء إليها. وهي بالمعنى الأوّل ثابتة للأجزاء السابقة ولو مع القطع بعروض المانع في أثناء العمل ، وبالمعنى الثاني يحصل القطع بعدمها مع القطع بعروض المانع في أثناء العمل.
١٧٩٤. قد يقال بعدم العلاقة المعتبرة بينه وبين المعنى الأخير. وفيه نظر.
١٧٩٥. لأنّ تعقيب الإطاعة بحرمة الإبطال يناسب جعل الإطاعة الواقعة على وجه الصحّة باطلة ، لا النهي عن إيجادها باطلة من أوّل الأمر. وأنت خبير بأنّ ظاهر الآية هو النهي عن إبطال الأعمال لأجل عدم الإطاعة ، لا عن إبطالها بعد وقوعها صحيحة بالإطاعة ، فالآية إنّما تناسب المعنى الثاني من معاني الإبطال دون الأوّل منها.
١٧٩٦. وإن كان هو الجزء المتقدّم من العمل ليشمل ما نحن فيه.