والآية بهذا المعنى راجعة إلى النهي عن جعل العمل لغوا لا يترتّب عليه أثر كالمعدوم بعد أن لم يكن كذلك ، فالإبطال هنا نظير الإبطال في قوله تعالى : (لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى) (٧) بناء على أنّ النهي عن تعقيبها بهما ؛ بشهادة قوله تعالى : (ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ ما أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذىً ...) (٨).
الثاني : أن يراد به إيجاد العمل على وجه باطل ، من قبيل قوله : «ضيّق (١٧٩١) فم الركيّة» ، يعني أحدثه ضيّقا ، لا أحدث فيه الضيق بعد السعة. والآية بهذا المعنى نهي عن إتيان الأعمال مقارنة للوجوه المانعة عن صحّتها أو فاقدة للامور المقتضية للصحّة. والنهي على هذين الوجهين ظاهره الإرشاد ؛ إذ لا يترتّب على إحداث البطلان في العمل أو إيجاده باطلا عدا فوت مصلحة العمل الصحيح.
الثالث : أن يراد من إبطال العمل قطعه ورفع اليد عنه ، كقطع الصلاة والصوم والحجّ. وقد اشتهر التمسّك لحرمة قطع العمل بها. ويمكن إرجاع هذا إلى المعنى الأوّل (١٧٩٢) بأن يراد من الأعمال ما يعمّ الجزء المتقدّم من العمل ؛ لأنّه أيضا عمل لغة ، وقد وجد على وجه قابل لترتّب الأثر (*) وصيرورته جزءا فعليّا للمركّب ، فلا يجوز جعله باطلا (١٧٩٣) ساقطا عن قابليّة كونه جزءا فعليّا ، فجعل
______________________________________________________
كان قائما ، كذلك الإبطال فيما نحن فيه إنّما يصدق بإحداث البطلان بعد وقوع الفعل صحيحا.
١٧٩١. من قبيله أيضا قولهم : المجمل والمبيّن ، لأنّ المراد بالأوّل ما لم تتّضح دلالته ، وبالثاني ما اتّضحت دلالته ، لا ما عرض له الإجمال بعد وضوح دلالته ، ولا ما عرض له البيان بعد عدم وضوح دلالته.
١٧٩٢. هو خلاف ظاهر الآية ، لظهور العمل في مجموع الأجزاء إن كان من قبيل المركّبات ، كما هو مورد الآية على المعنى الثالث.
١٧٩٣. فإن قلت : هذا مناف لما تقدّم منه من عدم قابليّة الأجزاء السابقة
__________________
(*) في بعض النسخ زيادة : عليه.