وما دلّ بظاهره من الأدلّة المتقدّمة على كون وجوب تحصيل العلم من باب المقدّمة محمول على بيان الحكمة في وجوبه ، وأنّ الحكمة في إيجابه لنفسه صيرورة المكلّف قابلا للتكليف بالواجبات والمحرّمات حتّى لا يفوته منفعة التكليف بها ولا تناله مضرّة إهماله عنها ؛ فإنّه قد يكون الحكمة (١٩٠٧) في وجوب الشيء لنفسه صيرورة المكلّف قابلا للخطاب ، بل الحكمة الظاهرة في الإرشاد وتبليغ الأنبياء والحجج عليهمالسلام ليست إلّا صيرورة الناس عالمين قابلين للتكاليف ، لكنّ الإنصاف ظهور أدلّة وجوب العلم في كونه واجبا غيريّا ، مضافا إلى ما عرفت من الأخبار في الوجه الثالث الظاهرة في المؤاخذة على نفس المخالفة.
______________________________________________________
ذكرنا ...». وما دفعنا به الملازمة المذكورة هناك أشار المصنّف رحمهالله إليه هنا بقوله : «ويمكن أن يلتزم حينئذ ...» ، فراجع. وستقف على تتمّة الكلام في ذلك.
١٩٠٧. قال صاحب الفصول في مبحث المقدّمة : «ثمّ اعلم أيضا أنّ الواجب النفسي قد يكون وجوبه لفائدة التهيّؤ والاستعداد لواجب آخر مشروط بشرط غير حاصل ، فيجوز أن يكون وجوبه من هذه الجهة مراعى بوجوب ذلك الواجب المشروط على تقدير الإتيان بهذا الواجب ، والامتثال به مراعى بوقوعه ، فيجوز أن يترتّب على ترك مثل هذا الواجب ما يترتّب على ترك الآخر ، إذا أدّى تركه إلى عدم تحقّق وجوبه ، لاستناد فوات فوائده إليه. وينبغي أن يجعل من هذا الباب استحقاق المرتدّ الذي لا تقبل توبته العقوبة على ما يفوته بالارتداد ، من الواجبات المشروطة بامور غير حاصلة حال الارتداد لو قلنا بذلك. وأن يجعل منه وجوب تعلّم الصلاة وأحكامها قبل دخول وقتها ، مع أنّ وجوبها مشروط بدخول وقتها لو قلنا بذلك. ويقرب هذا النوع من الواجب النفسي إلى الواجب الغيري بالمعنى المتقدّم ، لمساواته إيّاه في جملة من الثمرات. وربّما يظنّ أنّه منه ، وليس كما يظنّ ، إذ لا يعقل الوجوب الغيري عند عدم وجوب الغير ، فكيف يكون من بابه؟ نعم ، لو فسّر الوجوب الغيري بمعنى آخر أعمّ من المعنى المتقدّم جاز» انتهى.