لم يكن لنا سبيل في المسائل الاجتهاديّة إلى الواقعيّة ، فالسبب والشرط والمانع في حقّنا هي الحقائق الظاهريّة ، ومن البديهيّات التي انعقد عليها الإجماع بل الضرورة أنّ ترتّب الآثار على الحقائق الظاهريّة يختلف بالنسبة إلى الأشخاص ؛ فإنّ ملاقاة الماء القليل للنجاسة سبب لتنجّسه عند واحد دون غيره ، وكذا قطع الحلقوم للتذكية والعقد الفارسي للتمليك أو الزوجيّة.
وحاصل ما ذكره من التفصيل : أنّ غير المجتهد والمقلّد على ثلاثة أقسام ؛ لأنّه إمّا غافل عن احتمال كون ما أتى به من المعاملة مخالفا للواقع وإمّا أن يكون غير غافل ، بل يترك التقليد مسامحة. فالأوّل ، في حكم المجتهد والمقلّد ؛ لأنّه يتعبّد باعتقاده ـ كتعبّد المجتهد باجتهاده والمقلّد بتقليده ـ ما دام غافلا ، فإذا تنبّه فإن وافق اعتقاده قول من يقلّده فهو ، وإلّا كان كالمجتهد المتبدّل رأيه ، وقد مرّ حكمه في باب رجوع المجتهد. وأمّا الثاني ، وهو المتفطّن لاحتمال مخالفة ما أوقعه من المعاملة للواقع : فإمّا أن يكون ما صدر عنه موافقا أو مخالفا للحكم القطعي الصادر من الشارع ، وإمّا أن لا يكون كذلك ، بل كان حكم المعاملة ثابتا بالظنون الاجتهاديّة.
فالأوّل ، يترتّب عليه الأثر مع الموافقة ولا يترتّب عليه مع المخالفة ؛ إذ المفروض أنّه ثبت من الشارع قطعا أنّ المعاملة الفلانيّة سبب لكذا وليس معتقدا لخلافه حتّى يتعبّد بخلافه ، ولا دليل على التقييد (١٩١٣) في مثله بعلم واعتقاد ، ولا يقدح كونه محتملا للخلاف أو ظانا به ؛ لأنّه مأمور (١٩١٤) بالفحص والسؤال ، كما أنّ من اعتقد حلّية الخمر مع احتمال الخلاف يحرم عليه الخمر وإن لم
______________________________________________________
فمن اعتقد حلّية الزوجة بعقد باطل واقعا تحلّ عليه ما دام كذلك ، كما تحلّ الأجنبيّة باعتقاد أنّها زوجته ، ومن اعتقد بطلان عقد صحيح يحرم عليه المعقودة به ما دام كذلك ، كما تحرم الزوجة باعتقاد أنّها أجنبيّة.
١٩١٣. أي : تقييد الحكم بترتّب الأثر مع الموافقة ، بل يكفي فيه مجرّد الموافقة الاتّفاقيّة.
١٩١٤. تعليل للمنفي.