العذر من حيث الحكم الوضعي ، وهي الصحّة بمعنى سقوط الفعل ثانيا دون المؤاخذة ، وهو الذي يقتضيه دليل المعذوريّة في الموضعين أيضا. فحينئذ يقع الإشكال (١٩٣٦) في أنّه إذا لم يكن معذورا من حيث الحكم التكليفي كسائر الأحكام المجهولة للمكلّف المقصّر ، فيكون تكليفه بالواقع وهو القصر بالنسبة إلى المسافر باقيا ، وما يأتي به ـ من الإتمام المحكوم بكونه مسقطا ـ إن لم يكن مأمورا به فكيف يسقط الواجب؟ وإن كان مأمورا به فكيف يجتمع الأمر به مع فرض وجود الأمر بالقصر؟
ودفع هذا الإشكال إمّا بمنع تعلّق التكليف فعلا بالواقعي المتروك ، وإمّا بمنع تعلّقه بالمأتيّ به ، وإمّا بمنع التنافي بينهما. فالأوّل ، إما بدعوى كون القصر (١٩٣٧) مثلا واجبا على المسافر العالم ، وكذا الجهر والإخفات ، وإمّا بمعنى معذوريّته فيه ، بمعنى كون الجهل بهذه المسألة كالجهل بالموضوع يعذر صاحبه ويحكم عليه ظاهرا
______________________________________________________
الجاهل غير معذور. واخرى بما يقرب منه أيضا من أنّ الجهل وإن لم يعذر صاحبه وهو مذموم ، يجوز أن يتغيّر معه الحكم الشرعيّ ، ويكون حكم العالم بخلاف حكم الجاهل. وقال في الجواهر بعد نقله : وكأنّه يريد أنّ الجاهل هنا أيضا غير معذور بالنسبة للإثم وعدمه ، وإن كان فعله صحيحا للدليل. وستعرف تتمّة كلامه.
١٩٣٦. توضيح الإشكال : أنّ مقتضى عدم معذوريّة المكلّف بحسب الحكم الواقعي بقاء الأمر بالواقع ، ومقتضى كون المأتيّ به مسقطا عن الواقع كونه صحيحا ، إذ لا معنى لإسقاط الباطل ، وصحّته فرع الأمر به ، لأنّه معنى الصحّة في العبادات ، وحينئذ يلزم الأمر بضدّين في آن واحد ، وهو خلف. وحينئذ لا بدّ في دفع الإشكال ـ كما ذكره المصنّف رحمهالله ـ إمّا من منع أحد الأمرين ، أو دعوى عدم التضادّ بينهما. والوجوه المذكورة في مقام الجواب عن الإشكال المذكور راجعة إلى أحدهما.
١٩٣٧. هذا الجواب قد تقدّم عن المرتضى في جواب ما أورده الرسّي وأخوه الرضي رضي الله عنهم. وحاصله : تغيير الأحكام الواقعيّة بالعلم والجهل ، فالمسافر العالم بالقصر حكمه القصر في الواقع ، والجاهل به حكمه الإتمام كذلك. وكذا في مسألة الجهر والإخفات.