.................................................................................................
______________________________________________________
أحدها : ما ذكره المصنّف رحمهالله من أنّ المراد نفي الضرر المشروع ، بمعنى عدم جعل الشارع حكما يلزم منه ضرر على أحد تكليفيّا كان أو وضعيّا ، فكلّ حكم تكليفي أو وضعي يلزم من جعله أو إمضائه شرعا ضرر على أحد ، من قبل الله تعالى أو من قبل العباد ، فهو منفي شرعا ، وغير مجعول لله تعالى ، ولا ممضى عنده.
وهذا أظهر الوجوه في معنى الرواية ، إذ لا يرد عليه سوى لزوم المجازيّة في الظرف ، أعني : قوله «في الإسلام» إذ لا بدّ حينئذ من أخذ لفظ «في» بمعنى السببية ، لأنّ المراد بالإسلام هو الأحكام الشرعيّة والضرر مرتّب عليها ومسبّب عنها ، لا مستقرّ فيها حتّى يتمّ معنى الظرفيّة. ولكن لفظ «في الإسلام» لم يرد إلّا في بعض الروايات المتقدّمة. مع أنّ هذا المحذور أهون من سائر المحاذير الواردة على سائر الوجوه ، لمساعدة فهم العرف عليه.
وأمّا ما أورده عليه المصنّف رحمهالله من منافاته للفقرة الثانية ، أعني : قوله «ولا ضرار» بمعنى المجازاة أو فعل الاثنين ، فمع ورود هذا الإشكال على كلّ تقدير ، وعدم اختصاصه بهذا الوجه ، أنّه إنّما يرد على تقدير أخذه بأحد المعنيين المذكورين وهو غير متعيّن ، لاحتمال التأكيد فيه كما تقدّم. وبالجملة ، أنّا قد أشرنا إلى أنّ لفظ الضرار في الرواية مجمل ، وأنّه غير مصادم للاستدلال بالفقرة الاولى ، أعني : قوله «لا ضرر» لظهوره عرفا ولغة في ضدّ النفع.
وكيف كان ، فالاستدلال بالرواية على هذا الوجه على إثبات حكم وضعي ، إنّما هو باعتبار كون نفي الحكم الضرري مستلزما لحكم وضعي ، مثل نفي لزوم البيع مع الغبن ، لاستلزامه الخيار للمشتري ، وجواز العقد بالنسبة إليه ، ونفي براءة ذمّة الضارّ عن تدارك ما أدخله من الضرر المستلزم لضمانه ، وهكذا.
وثانيها : ما احتمله المصنّف رحمهالله من أخذ النفي بمعنى النهي ، بأن كان إنشاء التحريم مرادا من الجملة. وهذا المعنى محكيّ عن البدخشي. قال : «الضرر والضرار ممنوع منه شرعا ، وتحقيق ذلك أنّ النفي هاهنا بمعنى النهي ، بقرينة أصل الضرر الواقع»