آخر من حيث إثبات حكم لشىء أو نفيه عنه. فالأوّل مثل ما دلّ على الطهارة بالاستصحاب أو شهادة العدلين ، فإنّه حاكم على ما دلّ على أنّه «لا صلاة إلّا بطهور» ؛ فإنّه يفيد بمدلوله اللفظي أنّ ما ثبت من الأحكام للطهارة في مثل «لا صلاة إلّا بطهور» وغيرها ، ثابت للمتطهّر بالاستصحاب أو بالبيّنة. والثاني مثل الأمثلة المذكورة.
وأمّا المتعارضان ، فليس في أحدهما دلالة لفظيّة على حال الآخر من حيث العموم والخصوص ، وإنّما يفيد حكما منافيا لحكم الآخر ، وبملاحظة تنافيهما وعدم جواز تحقّقهما واقعا يحكم بإرادة خلاف الظاهر في أحدهما المعيّن إن كان الآخر أقوى منه ، فهذا الآخر الأقوى قرينة عقليّة على المراد من الآخر ، وليس في مدلوله اللفظيّ تعرّض لبيان المراد منه.
ومن هنا وجب ملاحظة الترجيح في القرينة ؛ لأنّ قرينيّته بحكم العقل بضميمة المرجّح. أمّا إذا كان الدليل بمدلوله اللفظي كاشفا عن حال الآخر ، فلا يحتاج إلى ملاحظة مرجّح له ، بل هو متعيّن للقرينيّة بمدلوله له. وسيأتي لذلك توضيح في تعارض الاستصحابين إن شاء الله تعالى.
ثمّ إنّه يظهر ممّا ذكرنا (١٩٨٥) من حكومة الرواية وورودها في مقام الامتنان نظير أدلّة نفي الحرج والإكراه : أنّ مصلحة الحكم الضرري المجعول بالأدلّة العامّة لا تصلح أن تكون تداركا للضرر ، حتّى يقال : إنّ الضرر يتدارك بالمصلحة العائدة إلى المتضرّر وإنّ الضرر المقابل بمنفعة راجحة عليه ليس بمنفي ، بل ليس ضررا.
______________________________________________________
١٩٨٥. توضيحه : أنّ مقتضى حكومة قاعدة الضرر على عمومات التكاليف أن لا تكون المصالح التي تنشأ منها الأحكام صالحة لتدارك ما يترتّب عليها من الضرر في بعض مواردها ، وإلّا لم يكن لحكومة هذه القاعدة عليها وجه ، لأنّ الشارع إذا أمر بالتوضّؤ على وجه الإطلاق الشامل لصورة التضرّر باستعمال الماء كان ذلك كاشفا عن وجود مصلحة فيه حتّى في مورد الضرر ، وإلّا كان إطلاق