ثمّ إنّك قد عرفت بما ذكرنا : أنّه لا قصور في القاعدة المذكورة من حيث مدركها سندا ودلالة ، إلّا أنّ الذي يوهن فيها هي كثرة التخصيصات فيها بحيث يكون الخارج منها أضعاف الباقي ، كما لا يخفى على المتتبّع ، خصوصا على تفسير الضرر بإدخال المكروه كما تقدّم ، بل لو بني على العمل بعموم هذه القاعدة حصل منه فقه جديد. ومع ذلك ، فقد استقرّت سيرة الفريقين على الاستدلال بها في مقابل العمومات المثبتة للأحكام وعدم رفع اليد عنها إلّا بمخصّص قويّ في غاية الاعتبار ، بحيث يعلم منهم انحصار مدرك الحكم في عموم هذه القاعدة. ولعلّ هذا كاف (١٩٨٧)
______________________________________________________
ومحصّل ما ذكرناه هنا وفي الحاشية السابقة : أنّ القاعدة إن لم تكن حاكمة على عموم الأمر ، فعمومه لموارد الضرر يكشف عن وجود المصلحة الزائدة فيها لا محالة ، فيقع التعارض بينه وبين قاعدة نفي الضرر. وإن كانت حاكمة عليه ، فهو لا يتمّ إلّا بتسليم عدم جبر المصلحة للضرر الموجود.
وممّا ذكرناه قد ظهر أنّ خروج مثل الزكاة والخمس والجهاد من عموم قوله صلىاللهعليهوآله : «لا ضرر ولا ضرار» إنّما هو من باب التخصّص دون التخصيص ، إذ لا بدّ فيها من وجود مصلحة متداركة لا محالة ، بناء على عدم صدق الضرر مع تداركه بمصلحة موازية أو أقوى منه. ولكنّه لا يخلو من نظر ، لأنّ تدارك الضرر إنّما يصحّح التكليف بالتضرّر ، ولا يوجب خروجه من موضوع الضرر ، فلا بدّ أن يكون خروج ما ذكرناه من باب التخصيص دون التخصّص.
١٩٨٧. يعني : عمل العلماء في جبر وهن دلالة العامّ على مورد الشك. وربّما يقال بكفاية عدم إعراض الأصحاب عن العامّ في مورد التمسّك في جبر وهنه. والأقرب هو الأوّل. والسرّ في كفايته أنّ وهن العموم بكثرة ورود التخصيص ، إمّا من جهة أنّه مع ورود مخصّصات كثيرة على عامّ وعدم معرفة جميعها بأعيانها ، يحصل العلم إجمالا بورود بعض المخصّصات عليه ، ومع الشك في مورد في بقائه تحت العامّ أو خروجه ببعض المخصّصات التي لا نعرفها تفصيلا ، يعود العامّ مجملا لا يجوز التمسّك به في مورد الشك.