على الوجه الأوّل ينافي العلم الإجمالي المعتبر بنفس أدلّة البراءة المغيّاة بالعلم ، وعلى الوجه الثاني غير موجود ، فيلزم من هذين الأمرين ـ أعني وجوب مراعاة العلم الإجمالي وعدم وجود دليل على قيام أحد المحتملين مقام المعلوم إجمالا ـ حكم العقل بوجوب الاحتياط ؛ إذ لا ثالث لذينك الأمرين ، فلا حاجة إلى أمر الشارع بالاحتياط ، ووجوب الإتيان بالواقع غير مشروط بالعلم التفصيلي به ، مضافا إلى ورود الأمر بالاحتياط في كثير من الموارد.
وأمّا ما ذكره من استلزام ذلك (١٦٢٤) الفرض ـ أعني تنجّز التكليف بالأمر المردّد من دون اشتراط بالعلم به ـ لإسقاط قصد التعيين (١٦٢٥) في الطاعة ، ففيه أنّ سقوط قصد التعيين إنّما حصل بمجرّد التردّد والإجمال في الواجب ، سواء قلنا فيه بالبراءة أو الاحتياط ، وليس لازما لتنجّز التكليف بالواقع وعدم اشتراطه بالعلم.
فإن قلت : إذا سقط قصد التعيين لعدم التمكّن ، فبأيّهما ينوي الوجوب والقربة؟ قلت : له في ذلك طريقان (١٦٢٦):
______________________________________________________
١٦٢٤. ظاهر المحقّق القمّي رحمهالله كون سقوط قصد التعيين محذورا مانعا من تعلّق التكليف بالواقع ، نظرا إلى اشتراط صحّة العبادة به ، فمع تعلّق التكليف بالواقع ينتفي شرط صحّتها.
ويرد عليه أوّلا : عدم اختصاص محلّ الكلام بالتعبّديّات ، ولا ريب في عدم اشتراط قصد التعيين في التوصّليّات.
وثانيا : منع اشتراطه ، ولذا قلنا بصحّة عبادة تارك طريقي الاجتهاد والتقليد.
وثالثا : منع اشتراطه فيما لا يمكن فيه تعيين الواقع ، إذ لم يقل به أحد فيما أعلم.
ورابعا : أنّ سقوط قصد التعيين إنّما حصل بمجرّد التردّد والإجمال في الواجب ، سواء قلنا فيه بالاحتياط أو البراءة ، كما أوضحه المصنّف رحمهالله.
١٦٢٥. يعني : تعيين المأمور به الواقعي ، وإلّا فالتعيين في الظاهر ممكن على القول بالبراءة ، بل على القول بالاحتياط أيضا على أحد وجهي قصد التقرّب.
١٦٢٦. الأوّل مبنيّ على كون الأمر بالاحتياط في نظائر المقام شرعيّا ، إذ