وممّا ذكرنا يندفع توهّم : أنّ الجمع بين المحتملين مستلزم لإتيان غير الواجب على جهة العبادة ؛ لأنّ قصد القربة المعتبر في الواجب الواقعي لازم المراعاة في كلا المحتملين ـ ليقطع بإحرازه في الواجب الواقعي ـ ومن المعلوم أنّ الإتيان بكلّ من المحتملين بوصف أنّها عبادة مقرّبة يوجب التشريع بالنسبة إلى ما عدا الواجب (١٦٢٧) الواقعي فيكون محرّما ، فالاحتياط غير ممكن في العبادات ، وإنّما يمكن في غيرها من جهة أنّ الإتيان بالمحتملين لا يعتبر فيهما قصد التعيين والتقرّب ، لعدم اعتباره في الواجب الواقعي المردّد ، فيأتي بكلّ منهما لاحتمال وجوبه.
ووجه اندفاع هذا التوهّم مضافا إلى أنّ غاية (١٦٢٨) ما يلزم من ذلك عدم
______________________________________________________
المشتبهين من حيث كونهما مقدّمة للواقع وإن كان متّجها في بادئ النظر ، إلّا أنّه قد حقّق في مسألة دوران الأمر بين الوجوب وغير الحرمة ـ من مسائل الشكّ في التكليف ـ مع كون الشبهة ناشئة من فقدان النصّ ، صحّة قصد التقرّب بالفعل المحتاط به لأجل حسن الاحتياط ، فراجع.
١٦٢٧. فيه نظر ، لأنّ الظاهر تحقّق التشريع بكلّ من المشتبهين ، لأنّ التشريع هو إدخال ما لم يثبت في كونه من الدين في الدين ، لا خصوص ما علم أنّه ليس منه فيه ، لقبح الأوّل أيضا عقلا بل شرعا أيضا ، كما اعترف به المصنّف رحمهالله عند تأسيس الأصل في العمل بالظنّ ، وحيث لم يثبت كون خصوص كلّ واحد من المشتبهين من الدين ، يكون الإتيان بخصوص كلّ واحد منهما بقصد كونه من الدين تشريعا.
١٦٢٨. يردّ عليه ـ مضافا إلى ما ذكره ـ أنّ محذور التشريع مشترك بين القول بوجوب الاحتياط والتخيير ، لأنّ القائل بالثاني يدّعي أنّ الواجب عدم المخالفة القطعيّة للواقع وكفاية الموافقة الاحتماليّة فيه ، وهو يحصل بالإتيان بأحد المشتبهين ، فيكون القول بالتخيير من شعب القول بالاحتياط ، لكونه قولا بالاحتياط في الجملة ، لفرض كون الإتيان بأحدهما لأجل تحصيل الواقع في الجملة ، لا لأجل وجوبه بالخصوص شرعا ، فيكون الإتيان به بقصد كونه من الدين تشريعا. ولكن هذا