وأصحاب ، صلاة زاكية نامية ، لا يحصر مقدارها العدّ والحساب ، ولا يبلغ إلى أدنى وصفها ألسنة البلغاء ولا أقلام الكتاب.
أما بعد ؛ فإنّ علم القرآن العظيم : هو أرفع العلوم قدرا ، وأجلها خطرا ، وأعظمها أجرا ، وأشرفها. ذكرا وإن الله أنعم عليّ بأن شغلني بخدمة القرآن ، وتعلّمه وتعليمه ، وشغفني بتفهم معانيه وتحصيل علومه ، فاطلعت على ما صنف العلماء رضي الله عنهم في تفسير القرآن من التصانيف المختلفة الأوصاف ، المتباينة الأصناف ، فمنهم من آثر الاختصار ، ومنهم من طوّل حتى كثّر الأسفار ، ومنهم من تكلم في بعض فنون العلم دون بعض ومنهم من اعتمد على نقل أقوال الناس ، ومنهم من عوّل على النظر والتحقيق والتدقيق ، وكل أحد سلك طريقا نحاه ، وذهب مذهبا ارتضاه ، (وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى) [النساء : ٩٥] ، فرغبت في سلوك طريقهم ، والانخراط في مساق فريقهم ، وصنفت هذا الكتاب في تفسير القرآن العظيم ، وسائر ما يتعلق به من العلوم ، وسلكت مسلكا نافعا ، إذ جعلته وجيزا جامعا ، قصدت به أربع مقاصد : تتضمن أربع فوائد :
الفائدة الأولى : جمع كثير من العلم ، في كتاب صغير الحجم ؛ تسهيلا على الطالبين ، وتقريبا على الراغبين ؛ فلقد احتوى هذا الكتاب على ما تضمنته الدواوين الطويلة من العلم ، ولكن بعد تلخيصها وتمحيصها ، وتنقيح فصولها ، وحذف حشوها وفضولها ؛ ولقد أودعته من كل فنّ من فنون علم القرآن : اللباب المرغوب فيه ، دون القشر المرغوب عنه ، من غير إفراط ولا تفريط. ثم إني عزمت على إيجاز العبارة ، وإفراط الاختصار ، وترك التطويل والتكرار.
الفائدة الثانية : ذكر نكت عجيبة ، وفوائد غريبة ، قلما توجد في كتاب ؛ لأنها من بنات صدري ، وينابيع ذكرى. ومما أخذته عن شيوخي رضي الله عنهم ، أو مما التقطته من مستظرفات النوادر ، الواقعة في غرائب الدفاتر.
الفائدة الثالثة : إيضاح المشكلات ، إما بحل العقد المقفلات ، وإما بحسن العبارة ورفع الاحتمالات ، وبيان المجملات.
الفائدة الرابعة : تحقيق أقوال المفسرين ، السقيم منها والصحيح ، وتمييز الراجح من المرجوح. وذلك أن أقوال الناس على مراتب : فمنها الصحيح الذي يعوّل عليه ، ومنها الباطل الذي لا يلتفت إليه ، ومنها ما يحتمل الصحة والفساد. ثم إنّ هذا الاحتمال قد يكون متساويا أو متفاوتا ، والتفاوت قد يكون قليلا أو كثيرا ، وإني جعلت لهذه الأقسام عبارات مختلفة ، تعرف بها كل مرتبة وكل قول ؛ فأدناها ما أصرح بأنه خطأ أو باطل ، ثم ما أقول فيه إنه ضعيف أو بعيد ، ثم ما أقول إنّ غيره أرجح أو أقوى أو أظهر أو أشهر ثم ما أقدّم غيره عليه إشعارا بترجيح المتقدّم أو بالقول فيه : قيل كذا ، قصدا للخروج من عهدته ، وأما إذا صرحت باسم قائل القول ؛ فإني أفعل ذلك لأحد أمرين : إما للخروج عن عهدته ، وإما