الْفَاسِقِينَ (٢٦) وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (٢٧) لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (٢٨) إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ (٢٩) فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (٣٠) فَبَعَثَ اللَّهُ
________________________________________________________
أربعين : محرمة على الأصح ، فيجب وصله معه وقيل : العامل فيه يتيهون فعلى هذا يجوز الوقف على قوله محرمة عليهم ، وهذا ضعيف لأنه لا حامل على تقديم المعمول هنا مع أن القول الأوّل أكمل معنى لأنه بيان لمدّة التحريم والتيه (يَتِيهُونَ) أي يتحيرون ، وروي أنهم كانوا يسيرون الليل كله ، فإذا أصبحوا وجدوا أنفسهم في الموضع الذي كانوا فيه (فَلا تَأْسَ) أي لا تحزن والخطاب لموسى ، وقيل : لمحمد صلىاللهعليهوسلم ، ويراد بالفاسقين : من كان في عصره من اليهود (نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ) هما قابيل وهابيل (إِذْ قَرَّبا قُرْباناً) روي أن قابيل كان صاحب زرع فقرب أرذل زرعه ، وكان هابيل صاحب غنم فقرب أحسن كبش عنده ، وكانت العادة حينئذ أن يقرب الإنسان قربانه إلى الله ويقوم يصلي ، فإذا نزلت نار من السماء وأكلت القربان فذلك دليل على القبول وإلا فلا قبول ، فنزلت النار فأخذت كبش هابيل ورفعته وتركت زرع قابيل فحسده قابيل فقتله (إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) استدل بها المعتزلة وغيرهم على أن صاحب المعاصي لا يتقبل عمله ، وتأولها الأشعرية بأن التقوى هنا يراد بها تقوى الشرك (لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ) الآية ، قيل : معناها لئن بدأتني بالقتال لم أبدأك به ، وقيل : إن بدأتني بالقتال لم أدافعك ، ثم اختلف على هذا القول هل تركه لدفاعه عن نفسه تورعا وفضيلة؟ وهو الأظهر والأشهر ، وكان واجبا عندهم أن لا يدافع أحد عن نفسه وهو قول مجاهد ، وأما في شرعنا فيجوز دفع الإنسان عن نفسه بل يجب (إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ) الإرادة هنا ليست بإرادة محبة وشهوة ، وإنما هو تخيير في أهون الشرين كأنه قال : إن قتلتني ، فذلك أحب إلي من أن أقتلك كما ورد في الأثر : «كن عبد الله المقتول ، ولا تكن عبد الله القاتل» (١) ، وأما قوله بإثمي وإثمك فمعناه بإثم قتلي لك لو قتلتك ، وبإثم قتلك لي ، وإنما يحمل القاتل الإثمين ، لأنه ظالم ، فذلك مثل قوله صلىاللهعليهوسلم : «المتسابان ما قالا» (٢) فهو على البادئ ، وقيل : بإثمي ؛ أي تحمل عني سائر ذنوبي ، لأن الظالم تجعل عليه في القيامة ذنوب المظلوم ، وبإثمك أي في قتلك لي ، وفي غير ذلك من ذنوبك (وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ) يحتمل أن يكون من كلام هابيل ، أو استئنافا من كلام الله تعالى (فَبَعَثَ اللهُ غُراباً) الآية : روي أن غرابين اقتتلا حتى قتل أحدهما الآخر ، ثم جعل القاتل يبحث عن التراب ويواري الميت ، وقيل : بل كان غرابا واحدا يبحث ويلقي التراب على
__________________
(١). رواه أحمد من حديث خباب ج ٥ / ١٤٨.
(٢). رواه أحمد عن أبي هريرة ج ٢ ص ٦٤٥.