غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ (٣١) مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ (٣٢) إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ
________________________________________________________
هابيل (سَوْأَةَ أَخِيهِ) أي عورته ، وخصت بالذكر لأنها أحق بالستر من سائر الجسد ، والضمير في أخيه عائد على ابن آدم ، ويظهر من هذه القصة أن هابيل كان أول من دفن من بني آدم (قالَ يا وَيْلَتى) أصله يا ويلتي ، ثم أبدل من الياء ألف وفتحت التاء وكذلك يا أسفا. ويا حسرتا (فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ) على ما وقع فيه من قتل أخيه ، واختلف في قابيل هل كان كافرا أو عاصيا ، والصحيح أنه لم يكن في تلك المدة كافرا لأنه قصد التقرب إلى الله بالقربان ، وأصبح هنا وفي الموضع عبارة عن جميع الأوقات لا مختصة بالصباح (مِنْ أَجْلِ ذلِكَ) يتعلق بكتبنا ، وقيل بالنادمين ، وهو ضعيف (كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ) أي فرضنا عليهم أو كتبناه في كتبهم (بِغَيْرِ نَفْسٍ) معناه من غير أن يقتل نفسا يجب عليه القصاص (أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ) يعني الفساد الذي يجب به القتل كالحرابة (فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً) تمثيل ؛ قاتل الواحد بقاتل الجميع يتصور من ثلاث جهات إحداها : القصاص ، فإن القصاص في قاتل الواحد والجميع سواء. الثانية : انتهاك الحرمة والإقدام على العصيان ، والثالثة : الإثم والعذاب الأخروي. قال مجاهد : وعد الله قاتل النفس بجهنم والخلود فيها ، والغضب واللعنة والعذاب العظيم ، فلو قتل جميع الناس لم يزد على ذلك ، وهذا الوجه هو الأظهر ؛ لأن القصد بالآية : تعظيم قتل النفس والتشديد فيه لينزجر الناس عنه ، وكذلك الثواب في إحيائها ؛ كثواب إحياء الجميع لتعظيم الأمر والترغيب فيه. وإحياؤها : هو إنقاذها من الموت ؛ كإنقاذ الحريق أو الغريق وشبه ذلك. وقيل : بترك قتلها ، وقيل : بالعفو إذا وجب القصاص (وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ) الضمير لبني إسرائيل. والمعنى تقبيح أفعالهم ، وفي ذلك إشارة إلى ما همّوا به من قتل رسول الله صلىاللهعليهوسلم (إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ) الآية : سببها عند ابن عباس : أن قوما من اليهود كان بينهم وبين رسول الله صلىاللهعليهوسلم عهد فنقضوا العهد وقطعوا السبيل ، وقال جماعة : نزلت في نفر من عكل وعرينة أسلموا حسب الظاهر ثم إنهم قتلوا راعي النبي صلىاللهعليهوسلم وأخذوا إبله. ثم حكمها بعد ذلك في كل محارب ، والمحاربة عند مالك هي : حمل السلاح على الناس في بلد أو في خارج بلد ، وقال أبو حنيفة : لا يكون المحارب إلا خارج البلد ، وقوله : يحاربون الله : تغليظ ومبالغة ، وقال بعضهم : تقديره يحاربون رسول الله صلّى الله تعالى عليه وعلى اله وسلّم وذلك ضعيف ، لأن الرسول عليه الصلاة والسلام ذكر بعد ذلك وقيل : يحاربون عباد الله