أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (٣٣) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (٣٤) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٣٥) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُم مَّا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا
________________________________________________________
وهو أحسن (وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً) بيان للحرابة وهي على درجات : أدناها إخافة الطريق ثم أخذ المال ثم قتل النفس (أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا) الصلب مضاف إلى القتل. وقيل : يقتل ثم يصلب ليراه أهل الفساد فينزجروا ، وهو قول أشهب ، وقيل يصلب حيا ، ويقتل على الخشبة ، وهو قول ابن القاسم (أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ) معناه أن تقطع يده اليمنى ورجله اليسرى ، ثم إن عاد : قطعت يده اليسرى ورجله اليمنى ، وقطع اليد عند مالك والجمهور من الرسغ ، وقطع الرجل من المفصل ، وذلك في الحرابة وفي السرقة (أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ) مشهور مذهب مالك : أن ينفى من بلد إلى بلد آخر ، ويسجن فيه إلى أن تظهر توبته ، وروى عنه مطرف أنه يسجن في البلد بعينه ، وبذلك قال أبو حنيفة ، وقيل : ينفى إلى بلد آخر دون أن يسجن فيه ، ومذهب مالك أن الإمام مخير في المحارب بين أن يقتله ويصلبه ، أو يقتله ولا يصلبه أو يقطع يده ورجله ، أو ينفيه ، إلا أنه قال : إن كان قتل فلا بدّ من قتله ، وإن لم يقتل ، فالأحسن أن يأخذ فيه بأيسر العقاب ، وقال الشافعي وغيره : هذه العقوبات مرتبة فمن قتل وأخذ المال قتل وصلب ، ومن قتل ولم يأخذ المال قتل ولم يصلب ، ومن أخذ المال ولم يقتل قطعت يده ورجله ، ومن أخاف السبيل ولم يقتل ولم يأخذ مالا نفي ، وحجة مالك عطف هذه العقوبات بأو التي تقتضي التخيير (خِزْيٌ فِي الدُّنْيا) هو العقوبة ، وعذاب الآخرة النار. وظاهر هذا أن العقوبة في الدنيا لا تكون كفارة للمحارب ، بخلاف سائر الحدود ، ويحتمل أن يكون الخزي في الدنيا لمن عوقب فيها ، والعذاب في الآخرة لمن لم يعاقب (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ) قيل : هي في المشركين وهو ضعيف ؛ لأن المشرك لا يختلف حكم توبته قبل القدرة عليه وبعدها ، وقيل : هي في المحاربين من المسلمين وهو الصحيح ، وهم الذين جاءتهم العقوبات المذكورة ، فمن تاب منهم قبل أن يقدر عليه ، فقد سقط عنه حكم الحرابة لقوله : فاعلموا أن الله غفور رحيم. واختلف [هل] يطالب بما عليه من حقوق الناس في الدماء والأموال أو لا؟ فوجه المطالبة بها أنها زائدة على حدّ الحرابة التي سقطت عنه بالتوبة ، ووجه إسقاطها إطلاق قوله غفور رحيم.
(وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ) أي ما يتوسل به ويتقرّب به إليه من الأعمال الصالحة والدعاء وغير ذلك (لِيَفْتَدُوا بِهِ) إن قيل لم وحّد الضمير وقد ذكر شيئين وهما ما في الأرض ومثله؟ فالجواب أنه وضع المفرد في موضع الاثنين ، وأجرى الضمير مجرى اسم الإشارة