وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنفَ بِالْأَنفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٤٥) وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ (٤٦) وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (٤٧)وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ
________________________________________________________
اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ) قال ابن عباس : نزلت الثلاثة في اليهود : الكافرون ، والظالمون ، والفاسقون ، وقد روي في هذا أحاديث عن النبي صلىاللهعليهوسلم ، وقال جماعة : هي عامة في كل من لم يحكم بما أنزل الله من اليهود والمسلمين وغيرهم ، إلا أن الكفر في حق المسلمين كفر معصية لا يخرجهم عن الإيمان ، وقال الشافعي : الكافرون في المسلمين ، والظالمون في اليهود ، والفاسقون في النصارى (وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها) كتبنا بمعنى الكتابة في الألواح ، أو بمعنى الفرض والإلزام ، والضمير في عليهم لبني إسرائيل ، وفي قوله فيها للتوراة (أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) أي تقتل النفس إذا قتلت نفسا ، وهذا إخبار عما في التوراة وهو حكم في شريعتنا بإجماع ، إلا أن هذا اللفظ عامّ ، وقد خصص العلماء منه أشياء ، فقال مالك : لا يقتل مؤمن بكافر للحديث الوارد في ذلك ولا يقتل حر بعبد ، لقوله الحر بالحر والعبد بالعبد وقد تقدم الكلام على ذلك في البقرة [١٧٨] (وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ) وما بعده حكم القصاص في الأعضاء ، والقراءة بنصب العين وما بعده عطف على النفس ، وقرئ بالرفع (١) ولها ثلاثة أوجه : أحدها العطف على موضع النفس ؛ لأن المعنى قلنا لهم : النفس بالنفس والثاني العطف على الضمير الذي في الخبر وهو بالنفس ، والثالث أن يكون مستأنفا مرفوعا بالابتداء (وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ) بالنصب عطف على المنصوبات قبله ، وبالرفع على الأوجه الثلاثة التي في رفع العين ، وهذا اللفظ عامّ يراد به الخصوص في الجراح التي لا يخاف على النفس منها (فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ) فيه تأويلان : أحدهما من تصدق من أصحاب الحق بالقصاص وعفا عنه ، فذلك كفارة له يكفر الله ذنوبه لعفوه وإسقاطه حقه ، والثاني من تصدّق وعفا فهو كفارة للقاتل والجارح بعفو الله عنه في ذلك لأن صاحب الحق قد عفا عنه ، فالضمير في له على التأويل الأوّل يعود على من التي هي كناية عن المقتول أو المجروح ، أو الولي ، وعلى الثاني يعود على القاتل أو الجارح وإن لم يجر له ذكر ، ولكن سياق الكلام يقتضيه ، والأوّل أرجح لعود الضمير على مذكور ، وهو من ، ومعناها واحد على التأويلين ، والصدقة بمعنى العفو على التأويلين ، إلا أن التأويل الأول بيان لأجر من عفا ، وترغيب في العفو ، والتأويل الثاني : بيان لسقوط الإثم عن القاتل أو الجارح إذا عفي عنه (مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ) قد تقدم معنى مصدق في
__________________
(١). وهي قراءة الكسائي فقط.