سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (٥٤) إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (٥٥) وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ (٥٦) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (٥٧) وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ (٥٨) قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ
________________________________________________________
خالفه في ذلك بعض الناس ، فاشتد عزمه حتى وافقوه وأجمعوا عليه فنصرهم الله على أهل الردة ، ويقوي ذلك أيضا أن الصفات التي وصف بها هؤلاء القوم هي أوصاف أبي بكر ، ألا ترى قوله : أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين ، وكان أبو بكر ضعيفا في نفسه قويا في الله ، وكذلك قوله : (وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ) : إشارة إلى من خالف أبا بكر ولامه في قتال أهل الردّة فلم يرجع عن عزمه (أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) كقوله (أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ) [الفتح : ٢٩] ، وإنما تعدّى أذلة بعلى ، لأنه تضمن معنى العطف والحنوّ ، فإن قيل : أين الراجع من الجزاء إلى الشرط؟ فالجواب : أنه محذوف تقديره من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم مكانهم أو بقوم يقاتلونهم (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ) ذكر الوليّ بلفظ المفرد إفرادا لله تعالى بهما ، ثم عطف على اسمه تعالى الرسول عليه الصلاة والسلام والمؤمنين على سبيل التبع ، ولو قال إنما أولياؤكم لم يكن في الكلام أصل وتبع (وَهُمْ راكِعُونَ) قيل : نزلت في عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه ، فإنه سأله سائل وهو راكع في الصلاة ، فأعطاه خاتمه ، وقيل : هي عامّة ، وذكر الركوع بعد الصلاة لأنه من أشرف أعمالها ، فالواو على القول الأوّل واو الحال ، وعلى الثاني للعطف (فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ) هذا من إقامة الظاهر مقام المضمر : معناه فإنهم هم الغالبون (وَالْكُفَّارَ) بالنصب عطف على الذين اتخذوا ، وقرئ (١) بالخفض عطف على الذين أوتوا الكتاب ، ويعضده قراءة ابن مسعود : ومن الكفار ، ويراد بهم المشركون من العرب (وَإِذا نادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ) الآية : روي أن رجلا من النصارى كان بالمدينة إذا سمع المؤذن يقول : أشهد أنّ محمدا رسول الله قال : حرق الله الكاذب ، فوقعت النار في بيته فاحترق هو وأهله (٢) ، واستدل بعضهم بهذه الآية على ثبوت الأذان من القرآن (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ) جعل قلة عقولهم علة لاستهزائهم بالدين (هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا) هل تعيبون علينا وتنكرون منا إلا إيماننا بالله ، وبجميع كتبه ورسله ، وذلك أمر لا ينكر ولا يعاب ، ونظير هذا في الاستثناء العجيب قول النابغة :
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم |
|
بهنّ فلول من قراع الكتائب |
ونزلت الآية بسبب أبي ياسر بن أخطب ، ونافع بن أبي نافع ، وجماعة من اليهود
__________________
(١). وهي قراءة أبو عمرو والكسائي.
(٢). ذكر الطبري هذه الرواية عن السدّي.