فَاسِقُونَ (٥٩) قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللَّهِ مَن لَّعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضَلُّ عَن سَوَاءِ السَّبِيلِ (٦٠) وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَقَد دَّخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا يَكْتُمُونَ (٦١) وَتَرَى كَثِيرًا مِّنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (٦٢) لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (٦٣) وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ
________________________________________________________
سألوا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عن الرسل الذين يؤمن بهم فتلا : آمنا بالله وما أنزل إلينا إلى آخر الآية ، فلما ذكر عيسى قالوا : لا نؤمن بعيسى ولا بمن آمن به (وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فاسِقُونَ) قيل : إنه معطوف على آمنا ، وقيل : على ما أنزل ، وقيل : هو تعليل معطوف على تعليل محذوف تقديره : هل تنقمون منا إلا لقلة إنصافكم ولأن أكثركم فاسقون ، ويحتمل أن يكون : وأنّ أكثركم مبتدأ وخبره محذوف تقديره فسقكم معلوم ، أو ثابت (قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ) لما ذكر أن أهل الكتاب يعيبون المسلمين بالإيمان بالله ورسله ، ذكر عيوب أهل الكتاب في مقابلة ذلك ردّا عليهم ، فالخطاب في أنبئكم لليهود ، والإشارة بذلك إلى ما تقدّم من حال المؤمنين (مَثُوبَةً عِنْدَ اللهِ) هي من الثواب ، ووضع الثواب موضع العقاب تهكما بهم نحو قوله : فبشرهم بعذاب أليم (مَنْ لَعَنَهُ اللهُ) يعني اليهود ومن في موضع رفع بخبر مبتدا مضمر تقديره : هو من لعنه الله ، أو في موضع خفض على البدل من بشرّ ولا بدّ في الكلام من حذف مضاف تقديره بشر من أهل ذلك وتقديره دين من لعنه الله (وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ) مسخ قوم من اليهود قرودا حين اعتدوا في السبت ومسخ قوم منهم خنازير حين كذبوا بعيسى ابن مريم (وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ) القراءة بفتح الباء فعل معطوف على لعنه الله ، وقرئ (١) بضم الباء وخفض الطاغوت على أن يكون عبد اسما على وجه المبالغة كيقظ أضيف إلى الطاغوت ، وقرئ (٢) وعابد وعباد ، وهو في هذه الوجوه عطف على القردة والخنازير (شَرٌّ مَكاناً) أي منزلة ونسب الشرّ للمكان وهو في الحقيقة لأهله ، وذلك مبالغة في الذمّ (وَإِذا جاؤُكُمْ قالُوا آمَنَّا) نزلت في منافقين من اليهود (وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ) تقديره : ملتبسين بالكفر ، والمعنى : دخلوا كفارا وخرجوا كفارا ، ودخلت قد على دخلوا وخرجوا : تقريبا للماضي من الحال أي ذلك حالهم في دخولهم وخروجهم على الدوام ب (الْإِثْمِ) الكذب وسائر المعاصي (وَالْعُدْوانِ) الظلم (السُّحْتَ) الحرام (لَوْ لا يَنْهاهُمُ) عرض وتحضيض وتقريع (لَبِئْسَ) اللام في الموضعين للقسم (وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ) غل اليد كناية عن البخل ، وبسطها كناية عن الجود ومنه : ولا تجعل يدك مغلولة : أي لا تبخل كل البخل ، ولا تبسطها كل البسط : أي لا تجد كل
__________________
(١). وقرأ حمزة (عبد). وقال الفراء : الباء تضمها العرب للمبالغة في المدح والذم.
(٢). لم يذكرها الطبري ولا ابن خالويه في كتاب الحجة ولا ابن زرعة في حجة القراءات والله أعلم.