وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (٦٤) وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٦٥) وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِم مِّن رَّبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ (٦٦) يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (٦٧)
________________________________________________________
الجود ، وروي أنّ اليهود أصابتهم سنة جهد فقالوا هذه المقالة الشنيعة ، وكان الذي قالها فنحاص ، ونسبت إلى جملة اليهود ، لأنهم رضوا بقوله (غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ) يحتمل أن يكون دعاء أو خبرا ، ويحتمل أن يكون في الدنيا أو في الآخرة ، فإن كان في الدنيا ، فيحتمل أن يراد به البخل أو غل أيديهم في الأسر ، وإن كان في الآخرة ، فهل جعل الأغلال في جهنم (بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ) عبارة عن إنعامه وجوده ، وإنما ثنيت اليدان هنا وأفردت في قول اليهود : يد الله مغلولة ، ليكون ردّا عليهم ومبالغة في وصفه تعالى بالجود : كقول العرب : فلان يعطي بكلتا يديه إذا كان عظيم السخاء (كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللهُ) إيقاد النار عبارة عن محاولة الحرب ، وإطفاؤها عبارة عن خذلانهم وعدم نصرهم ، ويحتمل أن يراد بذلك أسلافهم ، أو يراد من كان معاصرا للنبي صلّى الله عليه وعلى اله وسلّم منهم ، ومن يأت بعدهم ، فيكون على هذا إخبار بغيب ، وبشارة للمسلمين.
(وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتابِ آمَنُوا) الآية : يحتمل أن يراد أسلافهم والمعاصرون للنبي صلى الله تعالى عليه وعلى اله وسلّم ، فيكون على هذا ترغيبا لهم في الإيمان والتقوى (وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ) إقامتها بالعلم والعمل ؛ وذكر الإنجيل دليل على دخول النصارى في لفظ أهل الكتاب (لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ) قيل : من فوقهم عبارة عن المطر ، ومن تحت أرجلهم : عبارة عن النبات والزرع ، وقيل : ذلك استعارة في توسعة الرزق من كل وجه (أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ) أي معتدلة ، ويراد به من أسلم منهم : كعبد الله بن سلام ، وقيل من لم يعاد الأنبياء المتقدمين (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) أمر بتبليغ جميع ما أوحي إليه على الاستيفاء والكمال ، لأنه كان قد بلغ وإنما أمر هنا ألا يتوقف عن شيء مخافة أحد (وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ) هذا وعيد على تقدير عدم التبليغ ، وفي ارتباط هذا الشرط مع جوابه قولان : أحدهما أن المعنى إن تركت منه شيئا ، فكأنك لم تبلغ شيئا ، وصار ما بلغت لا يعتد به ، فمعنى إن لم تفعل : إن لم تستوف التبليغ على الكمال ، والآخر أن المعنى إن لم تبلغ الرسالة وجب عليك عقاب من كتمها ، ووضع السبب موضع المسبب (وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) وعد وضمان للعصمة ، وكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يخاف أعداءه ويحترس منهم في غزواته وغيرها ، فلما نزلت هذه الآية قال : يا أيها الناس انصرفوا فإن الله قد