مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (٧٥) قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٧٦) قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِن قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَن سَوَاءِ السَّبِيلِ (٧٧) لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ (٧٨) كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (٧٩) تَرَى كَثِيرًا مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ (٨٠) وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ (٨١) لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةً
________________________________________________________
صِدِّيقَةٌ) أي بليغة الصدق في نفسها ، أو من التصديق ، ووصفها بهذه الصفة دون النبوّة يدفع قول من قال : إنها نبية (كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ) استدلال على أنهما ليسا بإلهين لاحتياجهما إلى الغذاء الذي لا يحتاج إليه إلا محدث مفتقر ، ومن كان كذلك فليس بإله ، لأن الإله منزه عن صفة الحدوث ، وعن كل ما يلحق البشر ، وقيل : إن قوله يأكلان الطعام : كناية عن نقص البشر ، ولا ضرورة تدعو إلى إخراج اللفظ عن ظاهره ، لأن الحجة قائمة بالوجهين (ثُمَّ انْظُرْ) دخلت ثم لتفاوت الأمرين ولقصد التعجيب من كفرهم بعد بيان الآيات (قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) الآية : إقامة حجة على من عبد عيسى وأمه وهما لا يملكان ضرا ولا نفعا (قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ) خطاب للنصارى ، والغلوّ الإفراط وسبب ذلك كفر النصارى (وَلا تَتَّبِعُوا أَهْواءَ قَوْمٍ) قيل : هم أئمتهم في دين النصرانية كانوا على ضلال في عيسى ، وأضلوا كثيرا من الناس ، ثم ضلوا بكفرهم بمحمد صلىاللهعليهوسلم ، وقيل : هم اليهود ، والأول أرجح لوجهين : أحدهما أن الضلال وصف لازم للنصارى ، ألا ترى قوله تعالى : ولا الضالين ، والآخر أنه يبعد نهي النصارى عن اتباع اليهود ، مع ما بينهم من الخلاف والشقاق (عَلى لِسانِ داوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ) أي في الزبور والإنجيل (لا يَتَناهَوْنَ) أي لا ينهى بعضهم بعضا (عَنْ مُنكَرٍ) فإن قيل : لم وصف المنكر بقوله فعلوه والنهي لا يكون بعد الفعل؟ فالجواب : أن المعنى لا يتناهون عن مثل منكر فعلوه ، أو عن منكر إن أرادوا فعله (تَرى كَثِيراً مِنْهُمْ) إن أراد أسلافهم ، فالرؤية بالقلب ، وإن أراد المعاصرين للنبي صلّى الله تعالى عليه وسلّم وهو الأظهر ، فهي رؤية عين (وَالنَّبِيِّ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِ) يعني محمدا صلىاللهعليهوسلم (مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِياءَ) يعني : ما اتخذوا الكفار أولياء .. (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَداوَةً) الآية : إخبار عن شدة عداوة اليهود وعبدة الأوثان للمسلمين
(وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً) الآية : إخبار أن النصارى أقرب إلى مودة المسلمين ، وهذا الأمر باق إلى آخر الدهر فكل يهودي شديد العداوة للإسلام والكيد لأهله (ذلِكَ بِأَنَ