لِّلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (٨٢)آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (٨٣) وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَن يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ (٨٤) فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ (٨٥) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (٨٦) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (٨٧) وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ (٨٨) لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ
________________________________________________________
مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْباناً) تعليل لقرب مودتهم ، والقسيس العالم والراهب العابد (وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ) الآية ؛ هي في النجاشي ، وفي الوفد الذين بعثهم إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وهو سبعون رجلا ، فقرأ عليهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم القرآن فبكوا كما بكى النجاشي ، حين قرأ عليه جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه سورة مريم ، وقال السهيلي : نزلت في وفد نجران ، وكانوا نصارى عشرين رجلا ، فلما سمعوا القرآن بكوا (مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِ) من الأولى سببية والثانية بيان للجنس (آمَنَّا) أي بالقرآن من عند الله (مَعَ الشَّاهِدِينَ) أي مع المسلمين ، وكذلك مع القوم الصالحين (وَما لَنا لا نُؤْمِنُ بِاللهِ) توقيف (١) لأنفسهم ، أو محاجة لغيرهم (وَنَطْمَعُ) قال الزمخشري : الواو للحال ، وقال ابن عطية : لعطف جملة على جملة لا لعطف فعل على فعل (لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ) سببها أن قوما من الصحابة غلب عليهم خوف الله إلى أن حرم بعضهم النساء ، وبعضهم النوم بالليل ، وبعضهم أكل اللحم ، وهم بعضهم أن يختصوا ، أو يسيحوا في الأرض ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وعلى اله وسلّم : «أما أنا فأقوم وأنام ، وأصوم وأفطر ، وآتي النساء ، فمن رغب عن سنتي فليس مني» (٢) (وَلا تَعْتَدُوا) أي لا تفرطوا في التشديد على أنفسكم أكثر مما شرع لكم (وَكُلُوا) أي تمتعوا بالمآكل الحلال ، وبالنساء وغير ذلك ، وإنما خص الأكل بالذكر ، لأنه أعظم حاجات الإنسان (بِاللَّغْوِ) تقدم في البقرة (بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ) أي بما قصدتم عقده بالنية ، وقرئ عقدتم بالتخفيف» (٣) ، وعاقدتم بالألف (٤) (إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ) اشتراط المسكنة دليل على أنه لا يجزي في الكفارة إطعام غني ، فإن أطعم جهلا لم يجزيه على المشهور من المذهب ، واشترط مالك أيضا أن يكونوا أحرارا مسلمين ، وليس في الآية ما يدل على ذلك (مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ) اختلف في هذا التوسط
__________________
(١). توقيف معناها استفهام تقريري في هذا الكتاب.
(٢). رواه الإمام أحمد عن أنس ج ٣ ص ٣٠٤.
(٣). وهي قراءة حمزة والكسائي.
(٤). هي قراءة ابن عامر.