فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٨٩) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٩٠) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ (٩١) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (٩٢) لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوا وَّآمَنُوا وَعَمِلُوا
________________________________________________________
هل هو في القدر أو في الصنف ، واللفظ يحتمل الوجهين ، فأما القدر فقال مالك يطعم بالمدينة مدّا بمدّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وبغيرها : وسط من الشبع ، وقال الشافعي وابن القاسم : يجزي المدّ في كل مكان وقال أبو حنيفة إن غدّاهم وعشاهم أجزأه ، وأما الصنف فاختلف هل يطعم من عيش نفسه ، أو من عيش أهل بلده؟ فمعنى الآية على التأويل الثاني من أوسط ما تطعمون أيها الناس أهليكم على الجملة ، وعلى الأول يختص الخطاب بالمكفّر (أَوْ كِسْوَتُهُمْ) قال كثير من العلماء : يجزي ثوب واحد لمسكين ، لأنه يقال فيه كسوة ، وقال مالك : إنما يجزي ما تصح به الصلاة ، فللرجل ثوب واحد ، وللمرأة قميص وخمار (أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) اشترط مالك فيها أن تكون مؤمنة ؛ لتقيدها بذلك في كفارة القتل ، فحمل هذا المطلق على ذلك المقيد ، وأجاز أبو حنيفة هنا عتق الكافرة ، لإطلاق اللفظ هنا ، واشترط مالك أيضا أن تكون سليمة من العيوب وليس في اللفظ ما يدل على ذلك (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ) أي من لم يملك ما يعتق ولا ما يطعم ولا ما يكسو فعليه صيام ثلاثة أيام ، فالخصال الثلاث على التخيير ، والصيام مرتب بعدها لمن عدمها ، وهو عند مالك من لم يفضل عن قوته وقوت عياله في يومه زيادة (ذلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ) معناه إذا حلفتم وخشيتم أو أردتم الحنث ، واختلف هل يجوز تقديم الكفارة على الحنث أم لا (وَاحْفَظُوا أَيْمانَكُمْ) أي احفظوها فبروا فيها ، ولا تحنثوا ، وقيل : احفظوها بأن تكفروها إذا حنثتم ، وقيل : احفظوها ألا تنسوها تهاونا بها (الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ) ذكر في [البقرة : ٢١٩] (وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ) مذكوران في أول هذه السورة (رِجْسٌ) هو في اللغة : كل مكروه مذموم وقد يطلق بمعنى النجس وبمعنى الحرام وقال ابن عباس : معنى رجس سخط (فَاجْتَنِبُوهُ) نص في التحريم ، والضمير يعود على الرجس الذي هو خبر عن جميع الأشياء المذكورة (إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ) تقبيح للخمر والميسر ، وذكر لبعض عيوبها ، وتعليل لتحريمها ، وقد وقعت في زمان الصحابة عداوة بين أقوام بسبب شربهم لها قبل تحريمها ، ويقال إن ذلك كان سبب نزول الآية (فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) توقيف يتضمن الزجر والوعيد ولذلك قال عمر لما نزلت : انتهينا انتهينا (لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا) فيها تأويلان : أحدهما أنه لما نزل تحريم الخمر قال قوم من الصحابة : كيف بمن مات منا وهو يشربها؟ فنزلت الآية