الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوا وَّآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوا وَّأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (٩٣) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِّنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (٩٤) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ
________________________________________________________
معلمة أنه : لا جناح على من شربها قبل التحريم ، لأنه لم يعص الله بشربها حينئذ ، والآخر أن المعنى رفع الجناح عن المؤمنين فيما طعموا من المطاعم إذا اجتنبوا الحرام منها ، وعلى هذا أخذها عمر رضي الله عنه حين قال لقدامة : إنك إذا اتقيت الله اجتنبت ما حرم عليك ، وكان قدامة قد شربها واحتج بهذه الآية على رفع الجناح عنه ، فقال عمر : أخطأت التأويل (إِذا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا) الآية قيل : كرر التقوى مبالغة ، وقيل : الرتبة الأولى : اتقاء الشرك ، والثانية اتقاء المعاصي ، والثالثة : اتقاء ما لا بأس به حذرا مما به البأس ، وقيل : الأولى للزمان الماضي والثانية للحال ، والثالثة للمستقبل (وَأَحْسَنُوا) يحتمل أن يريد الإحسان إلى الناس ، أو الإحسان في طاعة الله وهو المراقبة ، وهذا أرجح لأنه درجة فوق التقوى ، ولذلك ذكره في المرة الثالثة وهي الغاية ، ولذلك قالت الصوفية : المقامات ثلاثة : مقام الإسلام ثم مقام الإيمان ثم مقام الإحسان (لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ) أي يختبر طاعتكم من معصيتكم بما يظهر لكم من الصيد مع الإحرام وفي الحرم ، وكان الصيد من معاش العرب ومستعملا عندهم ، فاختبروا بتركه كما اختبر بنو إسرائيل بالحوت (١) في السبت وإنما قلله في قوله : (بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ) إشعارا بأنه ليس من الفتن العظيمة ، وإنما هو من الأمور التي يمكن الصبر عنها (تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِماحُكُمْ) قال مجاهد : الذي تناله الأيدي الفراخ والبيض ، وما لا يستطيع أن يفرّ ، والذي تناله الرماح كبار الصيد ، والظاهر عموم هذا التخصيص (لِيَعْلَمَ اللهُ) أي يعلمه علما تقوم به الحجة ، وذلك إذا ظهر في الوجود (فَمَنِ اعْتَدى) أي بقتل الصيد وهو محرم ، والعذاب الأليم هنا في الآخرة (لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ) معنى حرم داخلين في الإحرام وفي الحرم ، والصيد هنا عامّ خصّص منه الحديث : الغراب والحدأة ، والفأرة ، والعقرب ، والكلب العقور (٢). وأدخل مالك في الكلب العقور كل ما يؤذي الناس من السباع وغيرها ، وقاس الشافعي على هذه الخمسة : كل ممّا لا يؤكل لحمه ، ولفظ الصيد يدخل فيه ما صيد وما لم يصد مما شأنه أن يصاد وورد النهي هنا عن القتل قبل أن يصاد وبعد أن يصاد ، وأما النهي عن الاصطياد فيؤخذ من قوله [الآتي] «وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما» (وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً) مفهوم الآية يقتضي أن جزاء الصيد على المتعمد لا على الناسي ، وبذلك قال أهل الظاهر ،
__________________
(١). حيثما ورد في هذا الكتاب فالمقصود به السمك على اختلاف أنواعه كما هو معروف في المغرب.
(٢). الحديث رواه أحمد عن عائشة وأوله : خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم : والحية والغراب : إلخ ج ٦ ص ١١٣.