وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ (١٠٠) بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١٠١) ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (١٠٢) لَّا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (١٠٣) قَدْ جَاءَكُم بَصَائِرُ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ (١٠٤) وَكَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ وَلِنُبَيِّنَهُ
________________________________________________________
أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ) أي انظروا إلى ثمره أول ما يخرج ضعيفا لا منفعة فيه ، ثم ينتقل من حال إلى حال حتى يينع أي ينضج ويطيب (شُرَكاءَ الْجِنَ) نصب الجنّ على أنه مفعول أول لجعلوا وشركاء مفعول ثان ، وقدم لاستعظام الإشراك ، أو شركاء مفعول أول ، والله في موضع المفعول الثاني والجنّ بدل من شركاء والمراد بهم هنا : الملائكة ، وذلك ردا على من عبدهم ؛ وقيل : المراد الجن ، والإشراك بهم طاعتهم (وَخَلَقَهُمْ) الواو للحال ، والمعنى الرد عليهم : أي جعلوا لله شركاء ، وهو خلقهم ، والضمير عائد على الجنّ ، أو على الجاعلين ، والحجة قائمة على الوجهين (وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَناتٍ) أي اختلقوا وزوّروا ، والبنين : قول النصارى في المسيح ، واليهود في عزير ، والبنات قول العرب في الملائكة (بِغَيْرِ عِلْمٍ) أي قالوا ذلك بغير دليل ولا حجة ؛ بل مجرد افتراء (بَدِيعُ) ذكر معناه في [البقرة : ١١٧] ورفعه على أنه خبر ابتداء مضمر أو مبتدأ وخبره : أنى يكون ، وفاعل تعالى ، والقصد به الرد على من نسب لله البنين والبنات ، وذلك من وجهين : أحدهما أن الولد لا يكون إلا من جنس والده ، والله تعالى متعال عن الأجناس ، لأنه مبدعها ، فلا يصح أن يكون له ولد والآخر : أن الله خلق السموات والأرض ومن كان هكذا فهو غني عن الولد وعن كل شيء (فَاعْبُدُوهُ) مسبب عن مضمون الجملة أي من كان هكذا فهو المستحق للعبادة وحده (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ) يعني في الدنيا ؛ وأما في الآخرة ، فالحق أن المؤمنين يرون ربهم بدليل قوله : إلى ربها ناظرة ، وقد جاءت في ذلك أحاديث صحيحة صريحة ، لا تحتمل التأويل ، وقالت الأشعرية إن رؤية الله تعالى في الدنيا جائزة عقلا ، لأن موسى سألها من الله ، ولا يسأل موسى ما هو محال ، وقد اختلف الناس هل رأى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ربه ليلة الإسراء أم لا (١) (وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ) قال بعضهم : الفرق بين الرؤية والإدراك أن الإدراك يتضمن الإحاطة بالشيء والوصول إلى غايته ، فلذلك نفى أن تدرك أبصار الخلق ربهم ، ولا يقتضي ذلك نفي الرؤية وحسن على هذا قوله : وهو يدرك الأبصار لإحاطة علمه تعالى بالخفيات (اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) أي لطيف عن أن تدركه الأبصار وهو الخبير بكل شيء ، وهو يدرك الأبصار (قَدْ جاءَكُمْ بَصائِرُ) جمع بصيرة ، وهو نور القلب ، والبصر نور العين ، وهذا الكلام على لسان النبي صلىاللهعليهوسلم وما أنا عليك بحفيظ
__________________
(١). روى مسلم في كتاب الإيمان رقم ٢٩١ ج ١ / ١٦١ عن أبي ذر قال : سألت رسول الله صلىاللهعليهوسلم : هل رأيت ربك قال : نور أنّى أراه قال المازري : النور منعني من الرؤية.