بِبَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (١٠٥) قَالَ إِن كُنتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (١٠٦) فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ (١٠٧) وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ (١٠٨) قَالَ الْمَلَأُ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (١٠٩) يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مِّنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ (١١٠) قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (١١١) يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ (١١٢) وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِن
________________________________________________________
بالتخفيف فموضع أن لا أقول خفض بحرف الجر ، وحقيق صفة لرسول ، وفي المعنى على هذا وجهان ، أحدهما أن على بمعنى الباء فمعنى الكلام : رسول حقيق بأن لا أقول على الله إلا الحق ، والثاني أن معنى حقيق حريص ولذلك تعدّى بعلى (قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ) أي بمعجزة تدل على صدقي ؛ وهي العصا أو جنس المعجزات (فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرائِيلَ) أي خلهم يذهبوا معي إلى الأرض المقدسة موطن آبائهم ، وذلك أنه لما توفي يوسف عليهالسلام غلب فرعون على بني إسرائيل واستعبدهم حتى أنقذهم الله على يد موسى ، وكان بين اليوم الذي دخل فيه يوسف مصر واليوم الذي دخله موسى أربعمائة عام (وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ) وكان موسى عليهالسلام شديد الأدمة [السواد] فأظهر يده لفرعون ثم أدخلها في جيبه ، ثم أخرجها وهي بيضاء شديدة البياض كاللبن أو أشدّ بياضا ، وقيل : إنها كانت منيرة شفافة كالشمس ، وكانت ترجع بعد ذلك إلى لون بدنه (لِلنَّاظِرِينَ) مبالغة في وصف يده بالبياض ، وكان الناس يجتمعون للنظر إليها ، والتعجب منها (قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ) حكى هذا الكلام هنا عن الملأ وفي الشعراء عن فرعون ، كأنه قاله هو وهم ، أو قاله هو ووافقوه عليه ، كعادة جلساء الملوك في اتباعهم لما يقول الملك (يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ) أي يخرجكم منها بالقتال أو بالحيل ، وقيل : المراد إخراج بني إسرائيل ، وكانوا خدّاما لهم فتخرب الأرض بخروج الخدام والعمار منها (فَما ذا تَأْمُرُونَ) من قول الملأ أو من قول فرعون ، وهو من معنى المؤامرة أي المشاورة ، أو من الأمر وهو ضدّ النهي (أَرْجِهْ) من قرأه بالهمزة (١) فهو من أرجأت الرجل إذا أخرته ، فمعناه أخرهما حتى ننظر في أمرهما ، وقيل : المراد بالإرجاء هنا السجن ، ومن قرأ بغير همز فتحتمل أن تكون بمعنى المهموز وسهلت الهمزة ، أو يكون بمعنى الرجاء أي أطعمه ، وأما ضم الهاء وكسرها فلغتان ، وأما إسكانها فلعله أجرى فيها الوصل مجرى الوقف (حاشِرِينَ) يعني الشرطة أي جامعين للسحرة (وَجاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ) قيل : هنا محذوف يدل عليه سياق الكلام وهو أنه بعث إلى السحرة (إِنَّ لَنا لَأَجْراً) من قرأه بهمزتين أإن فهو استفهام ومن قرأه بهمزة واحدة فيحتمل أن يكون خبرا أو استفهاما حذفت منه الهمزة ، والأجر هنا : الأجرة ، طلبوها من فرعون إن غلبوا موسى ، فأنعم [أقرّ] لهم فرعون بها
__________________
(١). قرأ ابن كثير وهشام عن ابن عامر : (أرجئه) وقرأ نافع والكسائي : أرجهي وقرأ عاصم وحمزة : أرجه.
راجع الحجة لأبي زرعة ص ٢٩٠.