وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ (١٣٧) وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَّهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (١٣٨) إِنَّ هَؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (١٣٩) قَالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (١٤٠) وَإِذْ أَنجَيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُم بَلَاءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ (١٤١) وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ (١٤٢) وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى
________________________________________________________
إسرائيل (مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا) الشام ومصر (بارَكْنا فِيها) أي بالخصب وكثرة الأرزاق (وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ) أي تمت لهم واستقرت ، والكلمة هنا ما قضى لهم في الأزل ، وقيل هي قوله : ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض (وَما كانُوا يَعْرِشُونَ) أي يبنون ، وقيل : هي الكروم وشبهها فهو على الأوّل من العرش وعلى الثاني من العريش (قالُوا يا مُوسَى اجْعَلْ لَنا إِلهاً) أي اجعل لنا صنما نعبده كما يعبد هؤلاء أصنامهم ولما تم خبر موسى مع فرعون ابتدأ خبره مع بني إسرائيل من هنا إلى قوله وإذ نتقنا الجبل (مُتَبَّرٌ) من التبار وهو الهلاك (وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ) وما بعده مذكور في [البقرة : ٤٧].
(وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً) روي أن الثلاثين هي شهر ذي القعدة والعشر بعدها هي العشر الأول من ذي الحجة ، وذلك تفصيل الأربعين المذكورة في البقرة (مِيقاتُ رَبِّهِ) أي ما وقت له من الوقت لمناجاته في الطور (اخْلُفْنِي) أي كن خليفتي على بني إسرائيل مدة مغيبي (قالَ رَبِّ أَرِنِي) لما سمع موسى كلام الله طمع في رؤيته ، فسألها كما قال الشاعر :
وأفرح ما يكون الشوق يوما |
|
إذا دنت الديار من الديار |
واستدلت الأشعرية بذلك على أن رؤية الله جائزة عقلا ، وأنها لو كانت محالا لم يسألها موسى ، فإن الأنبياء عليهمالسلام يعلمون ما يجوز على الله وما يستحيل ، وتأول الزمخشري طلب موسى للرؤية بوجهين : أحدهما أنه إنما سأل ذلك تبكيتا لمن خرج معه من بني إسرائيل الذين طلبوا الرؤية فقالوا أرنا الله جهرة ؛ فقال موسى ذلك ليسمعوا الجواب بالمنع فيتأولوا ، والآخر أن معنى أرني أنظر إليك : عرفني نفسك تعريفا واضحا جليا وكلا الوجهين بعيد ، والثاني أبعد وأضعف ، فإنه لو لم يكن المراد الرؤية لم يقل له انظر إلى الجبل الآية (قالَ لَنْ تَرانِي) قال مجاهد وغيره : إن الله قال لموسى لن تراني ، لأنك لا تطيق ذلك ، ولكن سأتجلى للجبل الذي هو أقوى منك وأشدّ ، فإن استقر وأطاق الصبر لهيبتي أمكن أن تراني أنت ، وإن لم يطق الجبل فأحرى ألا تطيق أنت ، فعلى هذا إنما جعل