فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (١٩٤) أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلَا تُنظِرُونِ (١٩٥) إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ (١٩٦) وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلَا أَنفُسَهُمْ يَنصُرُونَ (١٩٧) وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَسْمَعُوا وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (١٩٨) خُذِ
________________________________________________________
فكيف يعبد العبد مع ربه (فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا) أمر على جهة التعجيز (أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِها) وما بعده : معناه أن الأصنام جمادات عادمة للحس والجوارح والحياة والقدرة ، ومن كان كذلك : لا يكون إلها ، فإن من وصف الإله الإدراك والحياة والقدرة ؛ وإنما جاء هذا البرهان بلفظ الاستفهام ، لأن المشركين مقرّون أن أصنامهم لا تمشي ولا تبطش ، ولا تبصر ، ولا تسمع ، فلزمته الحجة ، والهمزة في قوله «ألهم» للاستفهام مع التوبيخ ، وأم في المواضع الثلاثة تضمنت معنى الهمزة ، ومعنى بل وليست عاطفة (قُلِ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلا تُنْظِرُونِ) المعنى : استنجدوا أصنامكم لمضرتي والكيد عليّ ، ولا تؤخروني ، فإنكم وأصنامكم لا تقدرون على مضرتي ، ومقصد الآية الردّ عليهم ببيان عجز أصنامهم وعدم قدرتها على المضرة ، وفيها إشارة إلى التوكل على الله والاعتصام به وحده ، وأن غيره لا يقدر على شيء ثم أفصح بذلك في قوله (إِنَّ وَلِيِّيَ اللهُ) الآية : أي هو حافظي وناصري منكم فلا تضرونني ، ولو حرصتم أنتم وآلهتكم على مضرتي ، ثم وصف الله بأنه الذي نزّل الكتاب ، وبأنه يتولى الصالحين ، وفي هذين الوصفين استدلال على صدق النبي صلىاللهعليهوسلم بإنزال الكتاب عليه ، وبأن الله تولى حفظه ، ومن تولى حفظه فهو من الصالحين ، والصالح لا بد أن يكون صادقا في قوله ولا سيما فيما يقوله عن الله (وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ) الآية : ردّ على المشركين ، وقد تقدّم معناه (وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَسْمَعُوا) يحتمل أن يريد الأصنام فيكون تحقيرا لهم ، وردّا على من عبدها ، فإنها جمادات لا تسمع شيئا ، فيكون المعنى كالذي تقدّم ، أو يريد الكفار ، ووصفهم بأنهم لا يسمعون يعني سماعا ينتفعون به ، لإفراط نفورهم ، أو لأن الله طبع على قلوبهم (وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ) إن كان هذا من وصف الأصنام ، فقوله : ينظرون مجاز ، وقوله : لا يبصرون حقيقة ، لأن لهم صورة الأعين وهم لا يرون بها شيئا ، وإن كان من وصف الكفار فينظرون حقيقة ولا يبصرون مجازا على وجه المبالغة كما وصفهم بأنهم لا يسمعون (خُذِ الْعَفْوَ) فيه قولان : أحدهما أن المعنى خذ من الناس في أخلاقهم وأقوالهم ومعاشرتهم ما تيسر لا ما يشق عليهم ، لئلا ينفروا فالعفو على هذا بمعنى السهل والصفح عنهم ، وهو ضد الجهل والتكليف كقول الشاعر :
خذي العفو منّي تستديمي مودتي
والآخر أن المعنى من الصدقات ما سهل على الناس في أموالهم أو ما فضل لهم ، وذلك قبل فرض الزكاة ، فالعفو على هذا بمعنى السهل أو بمعنى الكثرة (وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ)