الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (١٩٩) وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢٠٠) إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ (٢٠١) وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ (٢٠٢) وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِم بِآيَةٍ قَالُوا لَوْلَا اجْتَبَيْتَهَا قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ
________________________________________________________
أي بالمعروف وهو فعل الخير ، وقيل العفو الجاري بين الناس من العوائد ، واحتج المالكية بذلك على الحكم بالعوائد (وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ) أي لا تكافي السفهاء بمثل قولهم أو فعلهم واحلم عنهم ، ولما نزلت هذه الآية سأل رسول الله صلّى الله تعالى عليه واله وسلّم جبريل عنها ، فقال : لا أدري حتى أسأل ؛ ثم رجع فقال يا محمد إن ربك يأمرك أن تصل من قطعك ، وتعطى من حرمك ، وتعفو عمن ظلمك ، وعن جعفر الصادق : أمر الله نبيه صلىاللهعليهوسلم فيها بمكارم الأخلاق ، وهي على هذا ثابتة الحكم وهو الصحيح ، وقيل كانت مداراة للكفار ، ثم نسخت بالقتال (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ) نزغ الشيطان وسوسته بالتشكيك في الحق والأمر بالمعاصي أو تحريك الغضب ، فأمر الله بالاستعاذة منه عند ذلك ، كما ورد في الحديث أن رجلا اشتد غضبه فقال رسول الله صلّى الله تعالى عليه واله وسلّم : إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما به : نعوذ بالله من الشيطان الرجيم (١) (طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ) معناه لمة منه ، كما جاء : «إنّ للشيطان لمة وللملك لمة» (٢) ، ومن قرأ طائف بالألف ، فهو اسم فاعل ومن قرأ طيف (٣) بياء ساكنة ، فهو مصدر أو تخفيف من طيف المشدّد ، كميّت وميت (تَذَكَّرُوا) حذف مفعوله ليعم كل ما يذكر من خوف عقاب الله ، أو رجاء ثوابه أو مراقبته والحياء منه ، أو عداوة الشيطان والاستعاذة منه والنظر والاعتبار وغير ذلك (فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ) هو من بصيرة القلب (وَإِخْوانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِ) الضمير في إخوانهم للشياطين ، وأريد بقوله : طائف من الشيطان : الجنس ، ولذلك أعيد عليه ضمير الجماعة وإخوانهم هم الكفار ، ومعنى يمدّونهم : يكونون مددا لهم : يعضدونهم ، وضمير المفعول في يمدّونهم للكفار ، وضمير الفاعل للشيطان ، ويحتمل أن يريد بالإخوان : الشياطين ، ويكون الضمير في إخوانهم للكفار ، والمعنى على الوجهين : أنّ الكفار يمدّهم الشيطان وقرئ يمدّونهم بضم الياء (٤) وفتحها ، والمعنى واحد ، وفي الغيّ : يتعلق بيمدّونهم ، وقيل : يتعلق بإخوانهم كما تقول إخوة في الله ، أو في الشيطان (ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ) أي لا يقصر الشياطين عن إمداد إخوانهم الكفار ، أو لا يقصر الكفار عن غيهم ، وفي الآية من إدراك البيان لزوم ما لا يلزم بالتزام الصاد قبل الراء في مبصرون ولا يقصرون (وَإِذا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قالُوا لَوْ لا اجْتَبَيْتَها) الضمير في لم تأتهم للكفار ، ولو لا هنا عوض ،
__________________
(١). رواه أحمد عن معاذ بن جبل بألفاظ قريبة ج ٥ ص ٣٠٤.
(٢). ذكره المناوي في التيسير وعزاه للترمذي والنسائي وابن حبان عن مسعود الترمذي : حسن غريب.
(٣). هي قراءة ابن كثير وأبو عمرو ومعنى : طيف : خاطرة من الشيطان.
(٤). هي قراءة نافع فقط.