أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ (٩٣) وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلَا أَن تُفَنِّدُونِ (٩٤) قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ (٩٥) فَلَمَّا أَن جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (٩٦) قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ (٩٧) قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٩٨) فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ (٩٩) وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (١٠٠) رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (١٠١)
________________________________________________________
(يَأْتِ بَصِيراً) الظاهر أنه علم ذلك بوحي من الله (فَصَلَتِ الْعِيرُ) أي خرجت من مصر متوجهة إلى يعقوب (قالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ) كان يعقوب ببيت المقدس ، ووجد ريح القميص وبينهما مسافة بعيدة (لَوْ لا أَنْ تُفَنِّدُونِ) أي تلومونني أو تردّون عليّ قولي ، وقيل : معناه تقولون : ذهب عقلك ، لأن الفند هو الخرف (لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ) أي ذهابك عن الصواب ، بإفراط محبتك في يوسف قديما (فَلَمَّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ) روي أن البشير يهوذا لأنه كان جاء بقميص الدم فقال لإخوته : إني ذهبت إليه بقميص القرحة فدعوني أذهب إليه بقميص الفرحة (قالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي) وعدهم بالاستغفار لهم ، فقيل سوّفهم إلى السّحر لأن الدعاء يستجاب فيه ، وقيل إلى ليلة الجمعة (فَلَمَّا دَخَلُوا عَلى يُوسُفَ) هنا محذوفات يدل عليها الكلام ، وهي فرحل يعقوب بأهله حتى بلغوا يوسف (آوى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ) أي ضمهما ، وأراد بالأبوين أباه وأمه ، وقيل أباه وخالته لأن أمه كانت قد ماتت ، وسمى الخالة على هذا أمّا (إِنْ شاءَ اللهُ) راجع إلى الأمن الذي في قوله آمنين.
(وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ) أي على سرير الملك (وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً) كان السجود عندهم تحية وكرامة لا عبادة (وَقالَ يا أَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ) يعني حين رأى أحد عشر كوكبا والشمس والقمر يسجدون له ، وكان بين رؤياه وبين ظهور تأويلها ثمانون عاما ، وقيل أربعون (أَحْسَنَ بِي) يقال أحسن إليه وبه (أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ) إنما لم يقل أخرجني من الجب لوجهين : أحدهما أن في ذكر الجب خزي لإخوته ، وتعريفهم بما فعلوه فترك ذكره توقيرا لهم. والآخر أنه خرج من الجب إلى الرق ، ومن السجن إلى الملك ، فالنعمة به أكثر (وَجاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ) أي من البادية وكانوا أصحاب إبل وغنم ، فعدّ من النعم مجيئهم للحاضرة (نَزَغَ الشَّيْطانُ) أي أفسد وأغوى (لَطِيفٌ لِما يَشاءُ) أي لطيف التدبير لما يشاء من الأمور (مِنَ الْمُلْكِ) من للتبعيض ، لأنه لم يعطه إلا بعض ملك الدنيا بل بعض ملك مصر (تَوَفَّنِي مُسْلِماً) لما عدّد النعم التي أنعم الله بها عليه اشتاق إلى لقاء