أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ (٧) اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ (٨) عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ (٩) سَوَاءٌ مِّنكُم مَّنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَن جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ (١٠) لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ
________________________________________________________
من نزول ملك معه أو شبه ذلك ، ولم يعتبروا بالقرآن ولا بغيره من الآيات العظام التي جاء بها ، وذلك منهم معاندة (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ) أي إنما عليك إنذارهم ، وليس عليك أن تأتيهم بآية إنما ذلك إلى الله (وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ) فيه ثلاثة أقوال : أحدها أن يراد بالهادي الله تعالى ، فالمعنى إنما عليك الإنذار والله هو الهادي لمن يشاء إذا شاء ، والوجه الثاني : أن يريد بالهادي النبي صلىاللهعليهوسلم ، فالمعنى إنما أنت نبي منذر ، ولكل قوم هاد من الأنبياء ينذرهم فليس أمرك ببدع ولا مستنكر. الثالث : روي أنها لما نزلت قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : أنا المنذر وأنت يا عليّ الهادي (١).
(اللهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى) كقوله : يعلم ما في الأرحام ، وهي من الخمس التي لا يعلمها إلا الله ، ويعني يعلم هل هو ذكر أو أنثى ، أو تام أو خداج ، أو حسن أو قبيح ، أو غير ذلك (وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ وَما تَزْدادُ) معنى تغيض تنقص ، ومعنى تزداد من الزيادة ، وقيل : إن الإشارة بدم الحيض فإنه يقل ويكبر وقيل : للولد فالغيض السقط ، أو الولادة لأقل من تسعة أشهر ، والزيادة إبقاؤه أكثر من تسعة أشهر ، ويحتمل أن تكون ما في قوله : (ما تَحْمِلُ) و (ما تَغِيضُ) و (ما تَزْدادُ) : موصولة أو مصدرية (سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ) المعنى إن الله يسمع كل شيء ، فالجهر والإسرار عنده سواء. وفي هذا وما بعده تقسيم ، وهو من أدوات البيان ، فإنه ذكر أربعة أقسام ، وفيه أيضا مطابقة (وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسارِبٌ بِالنَّهارِ) المعنى ؛ سواء عند الله المستخفي بالليل وهو في غاية الاختفاء مع السارب بالنهار ، وهو في غاية الظهور ومعنى السارب : المتصرف في سربه بالفتح : أي في طريقه ووجهه ، والسارب والمستخفي اثنان قصد التسوية بينهما في اطلاع الله عليهما ، مع تباين حالهما ، وقيل : إن المستخفي بالليل والسارب بالنهار : صفتان لموصوف بينهما في اطلاع الله عليهما مع تباين حالهما ، وقيل : إن المستخفي بالليل والسارب بالنهار : صفتان لموصوف واحد يستخفي بالليل ويظهر بالنهار ، ويعضد هذا كونه قال : وسارب ، فعطفه عطف الصفات ولم يقل ومن هو سارب بتكرار من كما قال ، (مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ) ، إلا أنّ جعلهما اثنين أرجح ليقابل من أسر القول ومن جهر به ، فيكمل التقسيم إلى أربعة على هذا ، ويكون قوله : (وَسارِبٌ) عطف على الجملة وهو قوله : ومن هو مستخف لا على مستخف وحده (لَهُ مُعَقِّباتٌ) المعقبات هنا جماعة الملائكة ، وسميت معقبات لأن بعضهم يعقب بعضا ، والضمير في له يعود على من المتقدّمة ، كأنه قال : لمن أسر ومن جهر ، ولمن استخفى ومن ظهر له معقبات ، وقيل : يعود على الله وهو قول ضعيف ؛ لأن الضمائر التي بعده تعود على العبد باتفاق (يَحْفَظُونَهُ) صفة للمعقبات ، وهذا الحفظ يحتمل أن يراد
__________________
(١). انظر لمزيد اطلاع ما جاء في الطبري.