أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ (١١) هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ (١٢) وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ (١٣) لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ (١٤) وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُم بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (١٥)
________________________________________________________
به حفظ أعماله أو حفظه وحراسته من الآفات (مِنْ أَمْرِ اللهِ) صفة للمعقبات أي معقبات من أجل أمر الله أي أمرهم بحفظه ، وقرئ بأمر الله ، وهذه القراءة تعضد ذلك ، ولا يتعلق من أمر الله على هذا ليحفظونه ، وقيل : يتعلق به على أنهم يحفظونه من عقوبة الله إذا أذنب بدعائهم له واستغفارهم (إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ) من العافية والنعم (حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ) بالمعاصي ، فيقتضي ذلك أن الله لا يسلب النعم ، ولا يترك النقم إلا بالذنوب (يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً) الخوف يكون مع البرق من الصواعق والأمور الهائلة ، والطمع في المطر الذي يكون معه (السَّحابَ الثِّقالَ) وصفها بالثقل ، لأنها تحمل الماء (وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ) الرعد اسم ملك وصوته المسموع تسبيح ، وقد جاء في الأثر : أن صوته زجر للسحاب ، فعلى هذا يكون تسبيحه غير ذلك (وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ) قيل : إنه إشارة إلى الصاعقة التي نزلت على أربد [بن ربيعة] الكافر ، وقتلته حين هم بقتل النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم هو وأخوه [لأمه] عامر بن الطفيل [العامري] (١) واللفظ أعم من ذلك (وَهُمْ يُجادِلُونَ فِي اللهِ) يعني الكفار ، والواو للاستئناف أو للحال (شَدِيدُ الْمِحالِ) أي شديد القوة ، والمحال مشتق من الحيلة ، فالميم زائدة ، ووزنه مفعل ، وقيل : معناه شديد المكر من قولك : محل بالرجل إذا مكر به ، فالميم على هذا أصلية ووزنه فعال وتأويل المكر على هذا القول كتأويله في المواضع التي وردت في القرآن.
(لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِ) قيل : هي لا إله إلا الله ، والمعنى أن دعوة العباد بالحق لله ودعوتهم بالباطل لغيره (وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ) يعني بالذين : ما عبدوا من دون الله من الأصنام وغيرهم ، والضمير في يدعون للكفار ، والمعنى أن المعبودين لا يستجيبون لمن عبدهم (إِلَّا كَباسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْماءِ لِيَبْلُغَ فاهُ وَما هُوَ بِبالِغِهِ) شبّه إجابة الأصنام لمن عبدهم بإجابة الماء لمن بسط إليه كفيه ، وأشار إليه بالإقبال إلى فيه ، ولا يبلغ فمه على هذا أبدا ؛ لأن الماء جماد لا يعقل المراد ، فكذلك الأصنام ، والضمير في قوله : وما هو الماء ، وفي ببالغه للفم.
(وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً) من لا تقع إلا على من يعقل ، فهي هنا يراد بها الملائكة والإنس والجن ، فإذا جعلنا السجود بمعنى الانقياد لأمر الله
__________________
(١). انظر قصتهما في تفسير الطبري.