أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لَّا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (١٧) وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ (١٨) وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (١٩) وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ (٢٠) أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (٢١) إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُم مُّنكِرَةٌ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ (٢٢) لَا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ (٢٣) وَإِذَا قِيلَ لَهُم مَّاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (٢٤) لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ (٢٥) قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ
________________________________________________________
هنا جنس ، وقيل : المراد الثريا والفرقدان ، فإن قيل : قوله وبالنجم هم يهتدون مخرج عن سنن الخطاب وقدم فيه النجم كأنه يقول : بالنجم خصوصا هؤلاء خصوصا يهتدون ؛ فمن المراد بهم؟ فالجواب أنه أراد قريشا لأنهم ؛ كان لهم في الاهتداء بالنجم في سيرهم علم لم يكن لغيرهم ، وكان الإعتبار ألزم لهم فخصصوا ، قال ذلك الزمخشري.
(أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ) تقرير يقتضي الردّ على من عبد غير الله ، وإنما عبّر عنهم بمن لأن فيهم من يعقل ومن لا يعقل ، أو مشاكلة لقوله : أفمن يخلق (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوها) ذكر من أول السورة إلى هنا أنواعا من مخلوقاته تعالى على وجه الاستدلال بها على وحدانيته ، ولذلك أعقبها بقوله : (أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ) ، وفيها أيضا تعداد لنعمه على خلقه ، ولذلك أعقبها بقوله : وإن تعدّوا نعمة الله لا تحصوها ، ثم أعقب ذلك بقوله : إن الله لغفور رحيم : أي يغفر لكم التقصير في شكر نعمه.
(وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ) نفى عن الأصنام صفات الربوبية ، وأثبت لهم أضدادها ، وهي أنهم مخلوقون غير خالقين ، وغير أحياء ، وغير عالمين بوقت البعث ، فلما قام البرهان على بطلان ربوبيتهم أثبت الربوبية لله وحده فقال : إلهكم إله واحد (أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ) أي لم تكن لهم حياة قط ولا تكون ، وذلك أغرق في موتها ممن تقدّمت له حياة ثم مات ، ثم يعقب موته حياة (وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ) الضمير في يشعرون : للأصنام وفي : يبعثون للكفار الذين عبدوهم ، وقيل : إن الضميرين للكفار (قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ) أي تنكر وحدانية الله عزوجل (لا جَرَمَ) أي لا بد ولا شك ، وقيل إن لا نفي لما تقدم ، وجرم معناه وجب ، أو حق ، وأن فاعلة بجرم (أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) أي ما سطره الأولون ، وكان النضر بن الحارث قد اتخذ كتاب تواريخ ، وكان يقول : إنما يحدث محمد بأساطير الأولين ، وحديثي أجمل من حديثه ، وماذا يجوز أن يكون اسما واحدا مركبا من ما وذا ، ويكون منصوبا بأنزل ، أو أن تكون ما استفهامية في موضع رفع بالابتداء ، وذا بمعنى الذي ، وفي أنزل ضمير محذوف (لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ) اللام لام العاقبة والصيرورة : أي قالوا أساطير الأولين ، فأوجب ذلك أن حملوا أوزارهم وأوزار غيرهم ، ويحتمل أن تكون للأمر (بِغَيْرِ عِلْمٍ) حال من المفعول في يضلونهم ، أو من الفاعل (فَأَتَى اللهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ) الآية : قيل المراد بالذين من قبلهم نمروذ ، فإنه بنى صرحا ليصعد