بُنْيَانَهُم مِّنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (٢٦) ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ (٢٧) الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (٢٨) فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (٢٩) وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ (٣٠) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ
________________________________________________________
فيه إلى السماء بزعمه ، فلما علا فيه هدمه الله وخر سقفه عليه ، وقيل : المراد بالذين من قبلهم كل من كفر من الأمم المتقدمة ، ونزلت به عقوبة الله فالبنيان والسقف والقواعد على هذا تمثيل (وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ) توبيخ للمشركين وأضاف الشركاء إلى نفسه أي على زعمكم ودعواكم ، وفيه تهكم بهم (الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ) أي تعادون من أجلهم فمن قرأ بكسر النون (١) فالمفعول ضمير المتكلم وهو الله عزوجل ، ومن قرأ بفتحها فالمفعول محذوف تقديره تعادون المؤمنين من أجلهم (قالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) هم الأنبياء والعلماء من كل أمة ، وقيل : يعني الملائكة واللفظ أعم من ذلك (ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ) حال من الضمير المفعول في تتوفاهم (فَأَلْقَوُا السَّلَمَ) أي استسلموا للموت (ما كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ) أي قالوا ذلك ، ويحتمل قولهم لذلك أن يكونوا قصدوا الكذب اعتصاما به كقولهم : (وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ) [الأنعام : ٢٣] أو يكونوا أخبروا على حسب اعتقادهم في أنفسهم ، فلم يقصدوا الكذب ، ولكنه كذب في نفس الأمر (بَلى) من قول الملائكة للكفار : أي قد كنتم تعملون السوء.
(وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا خَيْراً) لما وصف مقالة الكفار الذين قالوا أساطير الأولين : قابل ذلك بمقالة المؤمنين ، فإن قيل : لم نصب جواب المؤمنين وهو قولهم : خيرا ، رفع جواب الكافرين وهو أساطير الأولين؟ فالجواب : أن قولهم خيرا منصوب بفعل مضمر تقديره أنزل خيرا ، ففي ذلك اعتراف بأن الله أنزله ، وأما أساطير الأولين فهو خبر ابتداء مضمر تقديره هو أساطير الأولين ، فلم يعترفوا بأن الله أنزله فلا وجه لنصبه ، ولو كان منصوبا لكان الكلام متناقضا ؛ لأن قولهم أساطير الأولين يقتضي التكذيب بأن الله أنزله ، والنصب بفعل مضمر يقتضي التصديق بأن الله أنزله ، لأن تقديره أنزل ، فإن قيل : يلزم مثل هذا في الرفع ، لأن تقديره هو أساطير الأولين ، فإنه غير مطابق للسؤال الذي هو ماذا أنزل ربكم ، فالجواب : أنهم عدلوا بالجواب عن السؤال فقالوا هو أساطير الأولين ، ولم ينزله الله (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ) ارتفع حسنة بالابتداء وللذين خبره ، والجملة بدل من خيرا ، وتفسيره للخير الذي قالوا ، وقيل : هي استئناف كلام الله تعالى ، لا من كلام الذين قالوا خيرا (جَنَّاتُ عَدْنٍ) يحتمل أن يكون هو اسم الممدوح بنعم ، فيكون مبتدأ وخبره فيما قبله أو خبر
__________________
(١). قرأ نافع بكسر النون : تشاقون وقرأ الباقون : تشاقون بفتحها.