وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا (٢٥) قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا (٢٦) وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا (٢٧) وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا (٢٨) وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ
________________________________________________________
شيء آخر هو أرشد من المنسيّ (وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً) في هذا قولان أحدهما : أنه حكاية عن أهل الكتاب يدل على ذلك ما في قراءة ابن مسعود : وقالوا لبثوا في كهفهم. وهو معطوف على سيقولون ثلاثة فقوله (قُلِ اللهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا) رد عليهم في هذا العدد المحكي عنهم ، القول الثاني أنه من كلام الله تعالى ، وأنه بيان لما أجمل في قوله : (فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً) ، ومعنى قوله : (قُلِ اللهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا) على هذا أنه أعلم من الذين اختلفوا فيهم ، وقد أخبر بمدة لبثهم ، فإخباره هو الحق لأنه أعلم من الناس ، وكان قوله : (قُلِ اللهُ أَعْلَمُ) احتجاجا على صحة ذلك الإخبار ، وانتصب سنين على البدل من ثلاثمائة أو عطف بيان ، أو على التمييز وذلك على قراءة التنوين في ثلاثمائة وقرئ بغير تنوين (١) على الإضافة ووضع الجمع موضع المفرد (أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ) أي ما أبصره وما أسمعه ، لأن الله يدرك الخفيات كما يدرك الجليات (ما لَهُمْ) الضمير لجميع الخلق أو للمعاصرين للنبي صلىاللهعليهوسلم (وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً) هو خبر في قراءة من قرأ بالياء ، والرفع وقرئ بالتاء والجزم (٢) على النهي (لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ) يحتمل أن يراد بالكلمات هنا القرآن ، فالمعنى لا يبدل أحد القرآن ولا يغيره ، ويحتمل إن يريد بالكلمات القضاء والقدر (مُلْتَحَداً) أي ملجأ تميل إليه.
(وَاصْبِرْ نَفْسَكَ) أي احبسها صابرا (مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ) هم فقراء المسلمين : كبلال وخباب وصهيب وكان الكفار قد قالوا له : اطرد هؤلاء نجالسك نحن ، فنزلت الآية (بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِ) قيل : المراد الصلوات الخمس ، وقيل : الدعاء على الإطلاق (وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ) أي لا تتجاوز عنهم إلى أبناء الدنيا ، وقال الزمخشري : يقال عداه إذا جاوزه ، فهذا الفعل يتعدى بنفسه دون حرف ، وإنما تعدى هنا بعن لأنه تضمن معنى : نبت عينه عن الرجل إذا احتقره (تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا) جملة في موضع الحال فهي متصلة بما قبلها ، وهي في معنى تعليل الفعل المنهي عنه في قوله : ولا تعد عيناك عنهم : أي لا تبعد عنهم من أجل إرادتك لزينة الدنيا (أَغْفَلْنا قَلْبَهُ) أي جعلناه غافلا أو وجدناه غافلا ، وقيل : يعني أنه عيينة بن حصن الفزاري ، والأظهر أنها مطلقة من غير تقييد (فُرُطاً) من التفريط والتضييع ، أو من الإفراط والإسراف (وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ) أي هذا هو الحق (فَمَنْ شاءَ
__________________
(١). وهي قراءة حمزة والكسائي والباقون بالتنوين.
(٢). هي قراءة ابن عامر فقط : تشرك.