فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا (٢٩) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا (٣٠) أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِّن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا (٣١) وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلًا رَّجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا (٣٢) كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِم مِّنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا (٣٣) وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا (٣٤) وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا (٣٥)
________________________________________________________
فَلْيُؤْمِنْ) لفظه أمر وتخيير : ومعناه أن الحق قد ظهر فليختر كل إنسان لنفسه : إما الحق الذي ينجيه ، أو الباطل الذي يهلكه ، ففي ضمن ذلك تهديد (سُرادِقُها) السرادق في اللغة : ما أحاط بالشيء كالسور والجدار ، وأما سرادق جهنم فقيل : حائط من نار ، وقيل : دخان (كَالْمُهْلِ) وهو دردي الزيت إذ انتهى حره روى ذلك عن النبي صلّى الله تعالى عليه وعلى اله وسلّم وقيل : ما أذيب من الرصاص وشبهه (مُرْتَفَقاً) أي شيء يرتفق به ، فهو من الرفق ، وقيل : يرتفق عليه فهو من الارتفاق بمعنى الاتكاء (أُولئِكَ لَهُمْ) خبر إن ، وإنا لا نضيع : اعتراض ، ويجوز أن يكونا خبرين أو يكون إنا لا نضيع الخبر ، وأولئك استئناف ، ويقوم العموم في قوله : من أحسن مقام الضمير الرابط أو يقدر من أحسن عملا منه ، وروى أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : إنها نزلت في أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ رضي الله عنهم (أَساوِرَ) جمع أسوار وسوار ، وهو ما يجعل في اليد ، وقيل : أساور جمع أسورة وأسورة جمع سوار (مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ) السندس : رقيق الديباج ، والإستبرق الغليظ منه (الْأَرائِكِ) الأسرة والفرش.
(وَاضْرِبْ لَهُمْ) الضمير للكفار الذين قالوا : أطرد فقراء المسلمين ، وللفقراء الذين أرادوا طردهم : أي مثل هؤلاء وهؤلاء كمثل هذين الرجلين ، وهما أخوان من بني إسرائيل :
أحدهما مؤمن ، والآخر كافر : ورثا مالا عن أبيهما ، فاشترى الكافر بماله جنتين ، وأنفق المؤمن ماله في طاعة الله حتى افتقر ، فعيره الكافر بفقره فأهلك الله مال الكافر ، وروي أن اسم المؤمن تمليخا ، واسم الكافر فطروس ، وقيل : كانا شريكين اقتسما المال ، فاشترى أحدهما بماله جنتين وتصدق الآخر بماله (أُكُلَها) بضم الهمزة اسم لما يؤكل ، ويجوز ضم الكاف وإسكانها (وَلَمْ تَظْلِمْ) أي لم تنقص (وَكانَ لَهُ ثَمَرٌ) بضم الثاء والميم ، أصناف المال من الذهب والفضة والحيوان وغير ذلك ، قاله ابن عباس وقتادة ، وقيل : هو الذهب والفضة خاصة ، وهو من ثمّر ماله إذا أكثره ويجوز إسكان الميم تخفيفا ، وأما بفتح الثاء والميم ، فهو المأكول من الشجر ، ويحتمل المعنى الآخر (وَهُوَ يُحاوِرُهُ) أي يراجعه في الكلام (وَأَعَزُّ نَفَراً) يعني الأنصار والخدم (وَدَخَلَ جَنَّتَهُ) أفرد الجنة هنا ، لأنه إنما دخل الجنة الواحدة من الجنتين ، إذ لا يمكن دخول الجنتين دفعة واحدة (وَهُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ) إما بكفره وإما بمقابلته لأخيه ، فإنها تتضمن الفخر والكبر والاحتقار لأخيه (قالَ ما أَظُنُّ أَنْ