مُّسْتَقِيمٌ (٣٦) فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِن بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِن مَّشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ (٣٧) أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا لَكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (٣٨) وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (٣٩) إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ (٤٠) وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا (٤١) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا (٤٢) يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا (٤٣) يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا (٤٤) يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا (٤٥) قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا (٤٦) قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا (٤٧)
________________________________________________________
الكلام ، وقيل : هو من كلام النبي صلّى الله تعالى عليه وعلى اله وسلّم ، والمعنى : يا محمد قل لهم ذلك عيسى ابن مريم ، وأن الله ربي وربكم ، والأول أظهر (فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ) هذا ابتداء إخبار ، والأحزاب اليهود والنصارى ، لأنهم اختلفوا في أمر عيسى اختلافا شديدا ، فكذبه اليهود وعبده النصارى ، والحق خلاف أقوالهم كلها (مِنْ بَيْنِهِمْ) معناه من تلقائهم ، ومن أنفسهم وأن الاختلاف لم يخرج عنهم (مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ) يعنى قوم القيامة (أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنا) أي ما أسمعهم وما أبصرهم يوم القيامة ، على أنهم في الدنيا في ضلال مبين.
(يَوْمَ الْحَسْرَةِ) هو يوم يؤتى بالموت في صورة كبش فيذبح ثم يقال : يا أهل الجنة خلود لا موت ويا أهل النار خلود لا موت (١) ، وقيل : هو يوم القيامة وانتصاب يوم على المفعولية ، لا على الظرفية (وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ) يعنى في الدنيا ، فهو متعلق بقوله في ضلال مبين أي بأنذرهم (صِدِّيقاً) بناء مبالغة من الصدق أو من التصديق ، ووصفه بأنه صدّيق قبل الوحي نبّئ بعده ، ويحتمل أنه جمع الوصفين (ما لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ) يعنى الأصنام (صِراطاً سَوِيًّا) أي قويما (لَأَرْجُمَنَّكَ) قيل : يعنى الرجم بالحجارة وقيل : الشتم (وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا) أي حينا طويلا ، وعطف اهجرني على محذوف تقديره احذر رجمي لك (قالَ سَلامٌ عَلَيْكَ) وداع مفارقة ، وقيل : مسالمة لا تحية لأن ابتداء الكافر بالسلام لا يجوز (سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ) وعد ، وهو الذي أشير إليه بقوله : عن موعدة وعدها إيّاه قال ابن عطية ، معناه : سأدعو الله أن يهديك فيغفر لك بإيمانك ، وذلك لأن الاستغفار للكافر لا يجوز ، وقيل : وعده أن يستغفر له مع كفره ، ولعله كان لم يعلم أن الله لا يغفر للكفار حتى أعلمه بذلك ، ويقوى هذا القول قوله : (وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كانَ مِنَ الضَّالِّينَ) [الشعراء : ٨٦] ، ومثل
__________________
(١). حديث ذبح الموت رواه أبو سعيد الخدري وأخرجه الشيخان والنسائي والترمذي ولفظه : بالموت يوم القيامة كهيئة كبش أملح فينادى مناد : يا أهل الجنة فيشرئبون وينظرون فيقول : هل تعرفون هذا؟ فيقولون نعم. هذا الموت وكلهم قد رأوه. وينادى مناد : يا أهل النار ... فيذبح بين الجنة والنار ثم يقول : يا أهل الجنة خلود فلا موت ، ويا أهل النار خلود فلا موت ثم قرأ وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر إلخ. انظر صحيح البخاري ج ٥ / ٢٣٦ كتاب التفسير رقم الباب ١٩.