إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (١٢٤) وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (١٢٥) وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (١٢٦)
________________________________________________________
اختبر ، فالعامل في إذ فعل مضمر تقديره أذكر ، وقوله (بِكَلِماتٍ) قيل : مناسك الحج ، وقيل : خصال الفطرة العشرة ، وهي : المضمضة ، والاستنشاق ، والسواك ، وقص الشارب ، وإعفاء اللحية ، وقص الأظافر ، ونتف الإبطين ، وحلق العانة ، والختان ، والاستنجاء ، وقيل هي ثلاثون خصلة : عشرة ذكرت في براءة من قوله : التائبون العابدون ، وعشرة في الأحزاب من قوله : إن المسلمين والمسلمات ، وعشرة في المعارج من قوله : إلّا المصلين (فَأَتَمَّهُنَ) أي عمل بهنّ (وَمِنْ ذُرِّيَّتِي) استفهام أو رغبة (عَهْدِي) الإمامة (الْبَيْتَ) الكعبة (مَثابَةً) اسم مكان من قولك : ثاب إذا رجع ، لأنّ الناس يرجعون إليه عاما بعد عام (وَاتَّخِذُوا) بالفتح إخبار عن المتبعين لإبراهيم عليهالسلام ، وبالكسر إخبار لهذه الأمّة (١) ، وافق قول عمر رضي الله عنه : لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى (٢) ، وقيل أمر لإبراهيم وشيعته ، وقيل لبني إسرائيل فهو على هذا عطف على قوله : اذكروا نعمتي ، وهذا بعيد (مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ) هو الحجر الذي صعد به حين بناء الكعبة ، وقيل المسجد الحرام (وَعَهِدْنا) عبارة عن الأمر والوصية (طَهِّرا بَيْتِيَ) عبارة عن بنيانه بنية خالصة كقوله : أسس على التقوى ، وقيل : المعنى طهراه عن عبادة الأصنام (لِلطَّائِفِينَ) هم الذين يطوفون بالكعبة ، وقيل : الغرباء القادمون على مكة ، والأوّل أظهر (وَالْعاكِفِينَ) هم المعتكفون في المسجد ، وقيل : المصلون ، وقيل : المجاورون من الغرباء ، وقيل : أهل مكة ، والعكوف في اللغة : اللزوم (بَلَداً) يعني مكة (آمِناً) أي مما يصيب غيره من الخسف والعذاب ، وقيل : آمنا من إغارة الناس على أهله ، لأن العرب كان يغير بعضهم على بعض ، وكانوا لا يتعرضون لأهل مكة ، وهذا أرجح لقوله : (أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ) [القصص : ٥٧] ، فإن قيل : لم قال في البقرة (بَلَداً آمِناً) فعرّف في إبراهيم [٣٥] ونكّر في البقرة؟ أجيب عن ذلك بثلاثة أجوبة الجواب الأوّل : قاله أستاذنا الشيخ أبو جعفر بن الزبير ، وهو أنه تقدّم في البقرة ذكر البيت في قوله : القواعد من البيت (٣) ، وذكر البيت يقتضي بالملازمة ذكر البلد الذي هو فيه ، فلم يحتج إلى تعريف ، بخلاف آية إبراهيم ، فإنها لم يتقدم قبلها ما يقتضي ذكر البلد ولا المعرفة به ، فذكره بلام التعريف.
__________________
(١). كما هي قراءة حفص.
(٢). روى الإمام ابن جرير في تفسيره عن أنس بن مالك قول عمر للنبي صلىاللهعليهوسلم : لو اتخذت المقام مصلّى فنزل قوله تعالى : (وَاتَّخِذُوا ..).
(٣). الواقع أن القواعد من البيت ستأتي في الآية التالية مباشرة.