« وما الذي يبعدنا منها !؟ وُلّيتها أنتَ فقمتَ بها ، ولسنا دونك في قريش ولا في السابقة ، ولا في القرابة ! » .
فقال عمر : أفلا أخبركم عن أنفسكم ؟
قال : قل ، فأنا لو استعفيناكَ لم تعفنا .
فقال : أما أنت يا زبير ، فوعِق لقِسْ (١) مؤمن الرضا ، كافر الغضب ، يوماً إنسان ، ويوماً شيطان ، ولعلها لو افضت إليك ظلتَ يومك تلاطم بالبطحاء على مدٍّ من شعير ! أفرأيت إن افضتْ إليك ؛ فليت شعري من يكون للناس يوم تكون شيطاناً ، ومن يكون يوم تغضب ! وما كان الله ليجمع لك أمر هذه الأمة وأنت على هذه الصفة .
ثم أقبل على طلحة ، وكان له مبغضاً ـ منذ قال لأبي بكر يوم وفاته ما قال في عمر ـ (٢) ، فقال له : أقول ، أم أسكت ؟
قال : قل ، فإنك لا تقول من الخير شيئاً .
قال : أما اني أعرفك منذ أصيبت اصبعك يوم أُحد ، والبأو (٣) الذي حدث لك ، ولقد مات رسول الله صلّى الله عليه وآله ساخطاً عليك بالكلمة التي قلتها يوم أنزلت آية الحجاب (٤) .
____________________
(١) : الوعقُ : الضجر المتبرم . واللقسْ : من لا يستقيم على وجه .
(٢) : الكلمة التي قالها طلحة لأبي بكر هي : ما أنت قائل لربك غداً ، وقد وليت علينا فظاً غليظاً ، تفرق منه النفوس ، وتنفض عنه القلوب ! ( شرح النهج ١ / ١٦٤ ) .
(٣) : البأو : الكبر والفخر .
(٤) : قال الجاحظ : الكلمة المذكورة ، ان طلحة لما أنزلت آية الحجاب ، قال بمحضرٍ ممن نقل عنه الى رسول الله ، : ما الذي يغنيه حجابهن اليوم ، وسيموت غداً فننكحهن !!
وقال الجاحظ أيضاً : لو قال لعمر قائل : أنت قلت أن رسول الله ( ص ) مات وهو راضً عن الستة ، فكيف تقول الآن لطلحة أنه مات عليه السلام ساخطاً عليك للكلمة التي قلتها ، لكان قد رماه بمشاقصه ! والمشقص : فصل السهم إذا كان طويلاً . ( نفس المصدر )