لهم : « يحملكم على الحق . . » لكن هناك قوة ثانية ترفض علياً وتأباه ، وهي قريش وحلفاؤها . إنها ترى فيه الشبح المرعب الذي يبدد كل آمالها وأحلامها ، فبالأمس القريب « في بدر وأحد » كانت هامات صناديدها من بني أمية وبني عبد الدار طعاماً هشاً لسيف علي ، ومع ضرباته كانت ألويتهم تتهاوى لواءً بعد لواء ، ويتهاوى معها الشرف الجاهلي ، وليست قريش وحدها كانت تحذر علياً وتخشاه ، بل المنافقون واليهود أيضاً يشاركونهم هذا الشعور ، فهم لا ينسون أبداً ضربته يوم « الخندق » وثبات سيفه في جمجمة عمرو بن ود دون أن يلتوي في يده أو يُفل ، و « يوم » خيبر لا زالوا يذكرون كيف كان سيفه يقعقع في أضراس « مرحب » وأخيه « الحارث » ولم يكتف بذلك حتى امسك بباب الحصن وجعلها ترساً له حتى فتح الله على يديه ، حين يذكرون ذلك تنخلع قلوبهم خوفاً وفرقاً ، لذلك هم يرفضونه . . ويرفضونه . . يرون فيه المارد الذي يلاحقهم يلوّح لهم بالموت الأحمر إن لم يفيئوا إلى الحق . وهم يهربون من الحق .
وعثمان ، يعرفه عمر جيداً ، ويعرف مدى ضعفه عن أمر الخلافة ، وكيف أنه إن وَلِيَها سيؤثر أهله وذوي قرابته على سائر المسلمين ، وأنه « سيحمل بني أمية وبني أبي مُعَيط على رقاب الناس . » كما أنبأه بذلك ؛ ولكن ! قريش تريد عثمان .
الناس تريد عدل علي واستقامته ، وقريش تحذر عدل علي واستقامته ، وأبو حفص كان يعلم هذا وذاك . مأزق حرج لا يمكنه معه الاختيار صراحة .
أيعلن
للناس استخلاف علي دون غيره صراحة ؟ فيخسر بذلك قريشاً ، فلا يسلم من سخطها وإنتقامها بعد موته ويصبح مضغةً في أفواه شعرائها وخطبائها ، ونهشةً لرواة السوء ـ كما فعلوا بعلي فيما بعد ـ . أم يعلن استخلاف عثمان صراحةً ، وهو يعلم ما لعلي من مكانةٍ في نفوس المسلمين ، فلن يسلم أيضاً من سبّه التاريخ ! ودفعاً لهذا وذاك ، تركها حرةً طليقة ، ولكن بعد أن