قال : فأبوا ، وذهبوا الى عسكر المشركين ينتهبون . (١)
وكان خالد بن الوليد قد فرّ فيمن فر ، فولى بخيله هارباً ، لكنه نظر إلى الجبل ـ الذي كان حريصاً على أن يجد منه منفذاً لمهاجمته المسلمين من ورائهم ـ فوجده خالياً ، إلا من أولئك النفر القلائل الذين ظلوا متمسكين بأمر الرسول فحانت الفرصة له ، فما كان منه إلا أن رجع واصطدم بهم يقاتلهم ، فرموه بالنبل حتى لم يبق معهم من النبالُ شيء ، فسلّوا سيوفهم وأقبلوا على تلك الخيل يضربون وجوهها ودافعوا حتى النفس الأخير ، بقيادة عبد الله بن جبير .
عند ذلك نظر المنهزمون من المشركين إلى خيلهم ، فوجدوها قد رجعت لتهاجم المسلمين من الوراء ، فانكفؤا عائدين ، وكان خالد بن الوليد ومن معه قد عاد من ناحية الجبل بعد أن أباد تلك الفئة القليلة من المسلمين ، ولم يشعر المسلمون إلا والعدو قد تغلغل في أوساطهم وأصبحوا كالمدهوشين ، يتعرضون لضرب السيوف وطعن الرماح أينما اتجهوا ، واشتد الأمر عليهم حتى ضرب بعضهم بعضاً وهم يحسبون أنهم يضربون أعدائهم .
قصة قزمان
ومن طريف ما يروى :
أن قزمان ـ وهو من منافقي المدينة ـ قد تخلف عن أُحد ، فلما أصبح عيّره ـ نساء بني ظفر وقلن له : يا قزمان ، لقد خرج النساء وبقيت ! أما تستحي بما صنعت ؟! ما أنت إلا إمرأة . وما زلن به حتى دخل بيته ولبس لأمته وخرج يعدو حتى إنتهى إلى رسول الله ( ص ) وهو يسوي صفوف المسلمين ، فحين بدأت المعركة كان أول من رمى بسهم من المسلمين وجعل يرسل النبال كأنها الرماح ، ثم أخذ السيف وأمعن في القوم يقاتلهم أشد قتال .
____________________
(١) : المغازي للواقدي / ٢٢٩ ـ ٢٣٠ .