لا تخلو من أن تكون
حسنة أو قبيحة (۱) ، وانما قلنا ذلك لان فعل
_________________________
الاباحة ، فليجوز في الاول أيضاً وهو سفسطة .
فان قلت : أي سر في الفرق بين الجهل والسهو ، وبين الالجاء .
قلنا : سره جواز خطاب زيد في الوجوب بأن يقال : ( افعل هذا الا أن تكون ملجاءاً فانه لا تكليف لك به ، وفي الاباحة هذا مباح لك ، أي ان شئت فعلت ، وان شئت أن تفعل الا ان تلجاء فانه لا تجري فيه الاباحة ) وذلك لانه لا تنافى بين كون زيد ملجاءاً وفهمه الخطاب الاستثنائي ، وهذا بخلاف الجاهل و الساهي ، فانهما لا يصح خطابهما بالاستثناء للمنافاة بين الجهل والسهو ، وبين فهم الاستثناء المأخوذ بشرطهما ، أما الجهل فظاهر ، وأما السهو فباعتبار وقت تعلق الخطاب ، وتحقق فائدته وهو وقت الفعل ، فلا ينافي ذلك جواز فهمه قبل فعل المسهو عنه ، وهذا لا يجري في أصل الخطاب قبل الاستثناء ، فانه لم يوجد فيه شرط الجهل والسهو . فيجوز خطاب الجاهل والساهي به ، في ضمن خطاب عام يعلمه بعض المخاطبين ، بخلاف الخطاب الاستثنائي ، فانه لا يخاطب به الا غير العالم به ، من حيث انه غير عالم أو الساهي عنه من حيث انه ساه عنه .
(۱) قوله ( لا تخلوا من أن تكون حسنة أو قبيحة ) الحصر يدل على أن المكروه داخل في الحسن لكنه لم يذكره في أقسامه . واستدرك ذكره بعد ذلك لانه أخس أقسامه ، فكأنه ليس بحسن . والقرينة انه لم يحصر الحسن في الاقسام المذكورة له أولا هنا ، وفي ( فصل في ذكر جملة من أحكام الافعال ) فالحسن ما لا يكون فاعله مستحقاً للذم . والمراد بـ ( ما ) المقسم ، والقبيح ما يستحق فاعله الذم ، فلا يرد ان هذا الحصر ينافي ما سيجيء بعيد هذا من أن المكروه ليس بقبيح .