وهذا أولى مما قاله قوم ، من انه ما أوجب كون من وجد في قلبه ظاناً ، لانه بهذا لا يتبين من غيره (۱) لانه يحتاج بعد الى تفسير فالاولى ما ذكرناه .
ومما قلناه يتبين من العلم ، لان العالم لا يجوز كون ما علمه على خلافه ، وكذلك به يتميز من الجهل . لان الجاهل يتصور نفسه بصورة العالم فلا يجوز (۲) خلاف ما اعتقده وان كان يضطرب عليه حاله ، مما يجهله من حيث لم يكن ساكن النفس .
_________________________
بِذَٰلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ » (٣) لان العلم بالصانع شرط التكليف كما مرّ .
(۱) قوله ( لا يتبين من غيره الخ ) هذا لان الدور لازم ، فان معرفة الظن من حيث انه تصديق لا ينفع في دفعه ، فيحتاج بعد الى تحديد . اما لان هذا الحد لاشتماله على الدور كالعدم ، أو لانه تحديد بالاعم ، لانه انما يعلم به ان الظن يوجد في القلب ، وهذا أولى بالاولى .
(۲) قوله ( لان الجاهل يتصور نفسه بصورة العالم فلا يجوز الخ ) قد ذكرنا في حد العلم ، ان ظاهر هذا يدل على ان الجهل المركب جزم ، وان الجاهل لا يجوز خلاف ما اعتقده ، وان عدم التجويز أعم من السكون الذي هو عدم الاضطراب ، وقد ذكرنا ما فيه أيضاً .
ويمكن تأويله بأن يقال قوله ( فلا يجوز ) معطوف بالمعنى على العالم ، و يكون حاصل الكلام لان الجاهل يتصور نفسه بصورة انه يعلم فيتصور انه لا يجوز ، خلاف ما اعتقده .
_________________________
(٣) الجاثية : ٢٤ .