الأوقات والله جل جلاله مطلع عليه بإحاطة العلم به وبالإحسان إليه ولله جل جلاله حرمة باهرة وهيبة قاهرة وجلالة ظاهرة ونعم متواترة يستحق من عبده أن يعرفها ويعبده بالقيام بحقها لكونه جل جلاله أهلا للعبادة بذلك فلا ينفك العبد من تكليفه بأدب العبودية في سائر المواقف والمسالك (١) فأي حركة أو سكون يخلو فيها العبد من اطلاع الله عز وجل عليه ومن إحسانه إليه ومن لزوم علم العبد أنه بين يدي مولاه وأنه يراه حتى يكون متصرفا فيها بإباحة مطلقة تصرف الدواب وتكون خالية من التكليف بشيء من الآداب هذا (٢) لا يقبله من نظر بعين الصواب واعتمد على الله عز وجل في صدق الألباب فإن الإنسان يعلم من نفسه أن على العبد أدبا في العبودية متى كان سيده يراه لا يجوز أن ينفك العبد منه إما أدبا قليلا أو كثيرا بخلاف حال العبد إذا كان سيده لا يراه وهذا واضح لا يخفى على من عرف معناه.
جواب آخر على سبيل الجملة اعلم أنني عرفت أن كل ما في الوجود مما يسميه الناس مباحات لم يزل ملكا لله تعالى جل جلاله فلما أطلقه للمكلفين وأجراه عليهم على جهة الإحسان إليهم وكان إطلاقه وإجراؤه مستمرا مع بقائهم وجب عليهم استمرار أدب الاعتراف (٣) بحق هذه النعمة والقيام بشكرها فإذا لم يكن للمكلف انفكاك من استمرار هذه النعم فكيف صح أن يكون نعمة منها مستمرة في وقت من الأوقات خالية من استمرار أدب الاعتراف بها وشكرها حتى تصير تلك النعمة كما يقولون خالية من صفة زائدة على حسنها مثل إباحتها لغير المكلفين وللدواب أن القول بذلك بعيد من الصواب وهذا واضح لأولي الألباب ولقد وجدت في
__________________
(١) في « د » : والمسائل.
(٢) في « م » زيادة : من.
(٣) في « م » : استمرار الأدب ، والاعتراف.