من مشاهدة العين لما تراه وأنه لا يكره ولا يضطرب عند اختيار الله جل جلاله في شيء من الإصدار والإيراد فإنه إذا بلغ إلى هذه الغايات تولى الله جل جلاله تدبيره في الحركات والسكنات والاستخارات كما قال الله تعالى ( وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ) (١) وقال جل جلاله ( إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ) (٢) وغير ذلك من الآيات في مدح المفوضين والمتوكلين.
ولكن قد بقي أن الصدق في التوكل والتفويض هل يقع ويكون لأنني أراه مقاما عزيزا شريفا فإن ابن آدم كما قال الله تعالى ( وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً ) (٣) فتراه يفوض إلى وكيله وصديقه وسلطانه العادل وشيخه الفاضل ويتوكل عليهم ويسكن إليهم أقوى من تفويضه وتوكله وسكونه إلى ربه ومولاه فكيف يكون مع ذلك مفوضا إلى الله أو متوكلا عليه وغير الله أقوى في توكله وتفويضه أين هذا من مقام التفويض والتوكل على مالك دنياه وأخراه؟
رُوِيَ عَنْ مَوْلَانَا زَيْنِ الْعَابِدِينَ صلتوات الله عليه أَنَّهُ قَالَ لِبَعْضِ مَنْ ضَلَّ فِي طَرِيقٍ لَوْ صَدَقَ تَوَكُّلُكَ مَا ضَلَلْتَ وها نحن نورد الحديث بذلك فهو حديث مليح لتعرف تفصيل ما أشرت إليه.
ذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللهِ فِي أَمَالِيهِ مِنْ رُوَاةِ أَصْحَابِنَا وَوَجَدْتُهُ فِي نُسْخَةٍ تَارِيخَ كِتَابَتِهَا سَنَةَ تِسْعٍ وَثَلَاثِمِائَةٍ قَالَ حَدَّثَنِي مُسْلِمَةُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ (٤) قَالَ حَدَّثَنِي عِيسَى بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ حَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ
__________________
(١) الطَّلَاقِ ٦٥ : ٣.
(٢) النَّحْلِ ١٦ : ٩٩.
(٣) النِّسَاءِ ٤ : ٢٨.
(٤) فِي « د » : مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمَةً بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ ، وَلَمْ يَرِدْ فِي الْبِحَارِ وَالمستدرك.